بقلم: و. ليفينجستون. لارند
تقديم
مقالة “الأب يغفـــرُ” هي واحدة من المقالات التي كتبت في لحظات من المشاعر الصّادقة، ولمت وترًا حساسًا لدى العديد من القرّاء، بحيث أصبحت أكثر المقالات التي تُعاد طباعتها على مدار العام، وقد كتب كاتب المقال قائلاً: “إنّ هذه المقالة منذ أن ظهرت للمرة الأولى وهي تظهر في مئات المجلاّت والنّشرات التي تُصدرها المتاجر، وفي الصّحف المنتشرة في جميع أرجاء البلاد. وقد أعيدت طباعتها كاملةً تقريبًا بالعديد من اللّغات الأجنبيّة، وقد أعطيتُ إذنًا شخصيّا للآلاف ممن كانوا ممن كانوا يريدون قراءتها من المدارس ودور العبادة وقاعات المحاضرات. وقد أُذيعت على الهواء في مناسبات وبرامج عديدة. والأغرب هو أن المجلاّت الجامعيّة الدّورية استخدمت هذه المقالة كما استخدمتها مجلاّت المدارس الثانوية. فمقالة صغيرة قد تجد أحيانًا قبولاً بشكل غريب، وهو ما حدث مع هذه المقالة:
أصغ إليّ يا بني؛ إنّني أقول هذا بينما ترقدُ أنت نائمًا وقد وضعت يدك الصغيرة تحت خدّك، وقد التصقت خصلات شعرك الأشقر بجبهتك الرّطبة. لقد تسلّلت إلى حجرتك وحدي، فمنذ دقائق قليلة كنت جالسًا أتصفّح أوراقي في المكتبة، وسيطرت عليّ موجة من النّدم فجئت إلى جوارك شاعرًا بالذّنب.
وإليك يا بنيّ ما كنت أفكّر فيه .. لقد كنت حادّا معك، وعنّفتك عندما كنت تلبس ملابس المدرسة؛ لأنّك مسحت وجهك بالمنشفة مسحا خفيفًا، واستأت من عدم تنظيفك للحذاء، وصحت بك غاضبًا حينما ألقيت ببعض الأشياء على الأرض.
وعند الإفطار تصيّدت الأخطاء لك أيضًا، فقد أوقعت بعض الأشياء، ولم يُعجبك طعامك، ووضعت كوعك على المنضدة، ووضعت طبقةً سميكةً من الزّبد على خبزك، وبينما كنت تشرع في اللّعب تحرّكت أنا لألحق بالقطار واستدرت أنت إليّ ولوّحت بيدك قائلاً: مع السّلامة، فما كان منّي إلاّ أن عبستُ في وجهك وردّدت قائلاً: ارفع كتفيك.
ثم بدأت الكرّة من جديد في أواخر الظّهيرة، فعندما ظهرت الطّريق لمحتك تجلس على ركبتيك تلعب البلى، وكان هناك ثقوب في جوربك؛ فأهنتك أمام أصدقائك باقتيادك أمامي إلى المنزل، فقد كانت الجوارب غاليةً، ولو اشتريتَها لكنت أكثر حرصا عليها، تخيّل هذا يا بنيّ من أب.
هل تتذكّر – بعد ذلك – عندما كنت أقرأ في المكتبة كيف أتيتَ لي بعد أن أصبحت رجلاً، وقد بدت على عينيك نظرةٌ حزينةٌ بعض الشيء؟ وعندما رفعت رأسي أنظر إليك، وأنا أشعر بالضجر من هذه المقاطعة، وجدتك تتردّد على الباب، فقلت لك بحدّة: “ماذا تريد؟”، فأجبت بأنك لا تُريد شيئًا، ولكنك جريتَ نحوي سريعَا، وألقيت ذراعيك نحو عنقي وقبّلتَني، وأحكمت ذراعيك الصّغيرتين بمحبّة زرعها الله في قلبك، ولم تذبُل بسبب إهمالي لك، ثم ذهبت بعد ذلك وصعدت السّلم.
حسنًا يا بنيّ، لم يمر وقت طويل بعد هذا إلاّ ووجدت الورقة التي أقرؤها قد انزلقت من بين يدي، وقد سيطر عليّ شعورٌ رهيب بالخوف أثار اشمئزازي، ماذا فعلت بي تلك العادة؟ عادة تصيُّد الأخطاء والتّعنيف، فقد كانت هذه مكافأتي لك لكونك صبيًّا، ولم يكن تصرّفي هذا لأنّني لم أكن أحبّك، وإنّما لأنّني كنت أنتظر الكثير منك، وكنت أقيّمُك بمقياس البالغين.
وقد كان هناك أشياء كثيرة جيّدة وجميلة في شخصيّتك؛ فقلبك الصّغير كالفجر الذي يطلّ على التّلال الواسعة، وقد ظهر هذا واضحًا في اندفاعك التّلقائي نحوي وتقبيلك لي قبل النّوم. لا شيء آخر يهمّني اللّيلة يا بنيّ، لقد جئتُ إلى جوارك في الظّلام جالسًا على ركبتي وأنا أشعر بالخَجَل من نفسي.
وهذا تكفيرٌ بسيط؟ وأنا أعلم أنّك لم تفهم هذه الأشياء لو أخبرتُك بها وأنت مستيقظ، ولكنّني في الغد سأكون أبًا حقيقيًّا، وسوف أصادقُك، وأعاني عندما تُعاني، وأضحك عندما تضحك، وسوف أعضّ على لساني عندما تلحّ عليّ كلمات الضّجر، وسأظل أقول لنفسي كما لو كان هذا نوعًا من الطقوس :”إنّه مجرّد صبيّ”.
إنّني أخشى من أنّني كنت أنظر إليك كرجل، ولكنّني – وأنا أنظر إليك الآن يا بنيّ وأنت ترقد منهكًا على سريرك الصّغير – أراك مازلت رضيعًا، والبارحة كنت بين ذراعيْ أمّك ورأسك على كتفها، لقد طلبت منك الكثير … الكثير.
فبدلا من أن ندين النّاس؛ دعنا نُحاول أن نفهمهم، ولنحاول أن نعرف لماذا يفعلون ما سيفعلون؟ فهذا أكثر إفادة وإثارة للاهتمام من النّقد، كما أنّه يؤدي إلى التّعاطف والتّسامح والعطف، “أن تعرف الجميع فهذا يعني أن تغفر للجميع”.
وكما قال الدّكتور جُونسون :”اِعلمْ يا سيّدي أن الله تعالى لا يتعجّل الحُكم على الإنسان حتّى نهاية حياته”.
فلماذا تنوي أنت وأنا فعل ذلك؟
من كتاب: كيف تؤثر على الآخرين وتكسب الأصدقاء، تأليف: ديل كارنيجي، مكتبة جرير، الرياض، ص. 18-20،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ