يقول الشاعر جلال الدين الرومي "وأعلم أن ماتسعى اليه يسعى إليك”. فإذا كان الإلهام يسعى ويحاول أن يصل اليك فعليك أن تعلم أنك أيضاً تحتاج لبذل الجهد لكي تصل إليه وتستفيد منه.
ومن أكبر المفاهيم المغلوطة التي تراكمت فى أذهاننا أن المبدع يجلس في برجه العاجي، وحيداً منعزلاً عن العالم ويأتيه الإلهام دون أن يبذل أي مجهود.
فلنتخيل معاً مثلاً الكاتب نجيب محفوظ يجلس وحيداً يفكر في رسم شخصياته ولا يفعل أي شىء غير ذلك، فمن أين كان سيأتي بالكلام والتفاصيل والحكايات في رواياته؟! الهامه لم يكن يأتي بمفرده، فمحفوظ كان يذهب ليبحث عن مصدر إلهامه بنفسه في مقاهي وشوارع القاهرة.
وأيضاً العالم إسحق نيوتن، لم يكن سجيناً لمعمله، بل كان اكتشاف قانون الجاذبية من خلال ربطه بتجارب معمله وحركة الكون الخارجي، لذا كان سقوط التفاحة بالنسبة إليه ليس بالحدث العابر.
من هنا نستطيع أن نُعرف الإلهام بأنه محاولة ربط أكثر من فكرة معاً ومن ثم ترجمتها في صورة إبداعية قد تكون في شكل حكايات وأدب أو رسم صور أو تأليف قطعة موسيقية أو تجربة علمية.
ما الذي يقوله العلم عن الإلهام؟
من المهم أن نعرف أيضاً ان الإلهام ليس مرتبطاً فقط بالجانب الروحي عند الإنسان، بل أن للمخ ترجمته الخاصة لتلك اللغة.
فهناك شىء يسمى "اللدنة الدماغية” أو "المطاوعة الدماغية”، وتلك تعنى أن المخ حين يقوم بعمل إتصال بين فكرتين فإنه يقوم بإعادة تأهيل نفسه لإستيعاب تلك العملية، ويتم ذلك من خلال مخزن الذاكرة التي تبدأ فى ربط كل التفاصيل التي يوجد بينها أشياء مشتركة، لذا فكلما إتسعت المطاوعة الدماغية كلما كان العقل قادراً أكثر على الإبداع.
وهذه العملية لا تتم في كل الأوقات وفي أي ظروف لكن لا بد من تهيئة عوامل لها منها التركيز والإنتباه.
فما هى العوامل التى تساعد المطاوعة الدماغية والاسترسال في الافكار؟
أولاً: التمرين.
أظهرت بعض الدراسات أن بعض التمرينات العقلية تساعد المخ على عملية المطاوعة الدماغية بشكل افضل.
ثانياً: التأمل.
هو من أكبر العوامل المساعدة لأنه يقلص من مساحة القلق والتوتر وبالتالى يمنح مساحة أكبر للمخ للتركيز وترجمة كل الإشارات المتصلة به الى شكل إبداعي.
ثالثاً: القراءة.
حيث تذكر"ليار بروتون” أن القراءة تنجح فى بناء علاقات جديدة ومترابطة داخل خلايا المخ مما يمنحه المرونة.
اذاً كل تلك العوامل محفزة للمخ على إستقبال الإلهام الخراجى بشكل جيد، فما هى العوامل التى تساعدنا على تهيئة جو مناسب للعمل على الأفكار التى تبدأ فى شغل مساحة داخل المخ، أو بمعنى أصح
كيف تسعى لإستقبال وترجمة إشارات الإلهام؟
أولاً:- خذ لحظة للتنفس ومناقشة أهدافك.
ابدأ في الإسترخاء والهدوء وخذ نفس عميق، ثم حدد ما تريد فعله بالظبط، ضع فكرتك وخطوطها الأساسية والغرض منها، تهيئة الراحة الجسدية والنفسية فى تلك اللحظة مهم للغاية.
ثانياً:- إعط لنفسك مساحة كافية.
الأفكار تتصارع داخلك بشكل كبير، لذا إبدأ في تهدأتها شيئاً فشيئاً ثم هيىء عقلك للتفيكر بهدوء وببطء حتى تحصل على مساحة كافية لفكرة واحدة تريد إنجازها، المشى لوقت طويل أو التنزه خلال الأراضي الخضراء أو الجلوس أمام البحر سياسعدك.
ثالثاً:- انظر جيداً حولك وتأمل المشاهد المحيطة.
العالم كله ممتلىء بالتفاصيل التي تخدم فكرتك وتتصل بها اياً كانت هذه الفكرة، لكن دورك يبدأ حين تفكر جيداً وتتأمل وتربط كل شىء يدور بما تريد ان تتحدث عنه أو تخبره للعالم، الكون يدور ويمنحك الفرصة لتتشابك معه وتبدع، وعليك أن تفهم تلك الإشارات جيداً.
مثلاً إن كنت فى طريقك لكتابة قصيدة عن السعادة، فلعب الأطفال وضحكاتهم وصوت الطيور محفز جيد لأفكارك.
رابعاً:- لاتحمل نفسك فوق طاقتها.
أو بمعنى أصح دع الإلهام ينساب اليك ببساطة ودون تعقيد، لاتجعل عقلك يكرر ” أريد شيئاً ملهماً..أريد شيئا ملهماً”، فبذلك انت تلهى عقلك عن هدفه الأساسى وتشغله وتحمله ضغطاً عصبياً، لذا اترك لعينك وروحك التجول بحرية والاستقرار بهدوء على أى منبع مريح للإلهام، سيعرف العقل بعد ذلك طريقه لترجمة ماتشربه خلال الرحلة.
خامساً:- إحرص على تلقى نقداً لأفكارك.
ما إن تبدأ فكرتك فى التبلور فعليك طرحها على البعض ممن تثق فى أرائهم النقدية، فهم يرون المشهد من خارجه لذا سيجنبوك الوقوع فى بعض الأخطاء بل سيزيدوا من خلال تجاربهم شيئاً جديداً لأفكارك.
ومن الأشياء التى تمنحك متابعة جيدة للافكار وتغذي عقلك:-
التصوير العشوائى بالكاميرا.
ممارسة اليوجا.
الأفلام السينمائية خاصة الافلام التى على افكار مهلمة عن الحياة.
القراءة.
الموسيقى.
كتابة قائمة الاحلام.
العصف الذهنى للأفكار.
فكر فى التحديات التى تواجهها.
التواجد مع أناس ملهمين.
تجربة أشياء جديدة ومختلفة.
وقد نلخص ما سبق فى عبارات ذكرها مبدعون عن الإلهام،
فمثلاً "تمارا روجو” راقصة الباليه تقول ” كنت أبحث عن الإلهام من خلال الموسيقى والمسرح والفن، وكنت أشاهد الرقصات الأخرى والعروض، لم اكن اشعر بالغيرة حين أجد من اهم أفضل منى، لكنى كنت مؤمنة بأن هناك المزيد لأتعلمه. فالافكار لا تأتى فجأة لكنها تختزن بداخلى حتى يحين الوقت المناسب لها”
أيضاً "أنتونى نيلسون” كاتب ومخرج مسرحى يقول ” لاتنسى أن يكون لك حياة، وتنظر خارج إطار العمل، فان القصص العظيمة موجودة فى الحياة حولك وليست داخل المسرح او مع الكتاب الأخرين”
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ