اليوم في 4:56 pm اليوم في 4:55 pm اليوم في 4:53 pm اليوم في 4:50 pm اليوم في 4:49 pm اليوم في 4:46 pm اليوم في 4:46 pm اليوم في 4:44 pm اليوم في 4:40 pm اليوم في 4:37 pm
ومن فوائد الذكر أيضًا ما ذكره ابن القيم رحمه الله: أن دُور الجنة تبنى بالذكر، فإذا أمسك الذاكر عن الذكر أمسكت الملائكة عن البناء، وأن الذكر سدٌّ بين العبد وبين جهنم، فإذا كانت له إلى جهنم طريق عمل من الأعمال، كان الذكر سدًّا في تلك الطريق، وأن الملائكة تستغفر للذاكر كما تستغفر للتائب، وأن الجبال والقفار تتباهى وتستبشر بمن يذكر الله عز وجل عليها، وأن كثرة ذكر الله عز وجل أمان من النفاق، فإن المنافقين قليلو الذكر لله عز وجل؛ قال تبارك وتعالى في المنافقين: ﴿ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [النساء: 142]، وأن للذكر من بين الأعمال لذةً لا يُشبهها شيءٌ فلو لم يكن للعبد من ثوابه إلا اللذة الحاصلة للذاكر، وأنه يكسو الوجه نضرةً في الدنيا ونورًا في الآخرة، وأن في داوم الذكر في الطريق والبيت والحضر والسفر والبقاع تكثيرًا لشهود العبد يوم القيامة، فإن البقعة والدار والجبل والأرض تشهد للذاكر يوم القيامة، وإن الذكر يعطي الذاكر قوةً، حتى إنه ليفعل مع الذكر ما لم يظُن فعله بدونه قال: وقد شاهدت من قوة شيخ الإسلام ابن تيمية في سننه وكلامه وإقدامه وكتابته - أمرًا عجيبًا، فكان يكتب في اليوم من التصنيف ما يكتبه الناسخ في جمعة وأكثر.
ما دمت تقدِر فأكثر ذكر خالقنا وأدِّ واجبه نحو العبادات
فسوف تندم إن فرَّطت في زمن ما فيه ذكر لخلاق السماوات
وقد علم النبي صلى الله عليه وسلم ابنته فاطمة وعليًّا - رضي الله عنهما - أن يسبحا كل ليلة إذا أخذ مضاجعهما ثلاثًا وثلاثين، ويحمدا ثلاثًا وثلاثين، ويكبرا أربعًا وثلاثين، لما سألته الخادم وشكت إليه ما تقاسيه من الطحن والسعي والخدمة، فعلَّمها ذلك، وقال: «إنه خير لكما من خادم».
فقيل: إن من داوم على ذلك وجد قوةً في عمله مغنيةً عن خادم، قال: وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - يذكر أثرًا في هذا الباب، ويقول: إن الملائكة لما أمروا بحمل العرش، قالوا: يا ربنا كيف نحمل عرشك وعليه عظمتك وجلالك، فقال قولوا: لا حول ولا قوة إلا بالله.
فلما قالوا حملوه حتى رأيت ابن أبي الدنيا قد ذكر هذا الأثر بعينه عن الليث بن سعد عن معاوية بن صالح قال: حدثنا مشيختنا أنه بلغهم أن أول ما خلق الله عز وجل حين كان عرشه على الماء حملةُ العرش، فقالوا: ربنا لِمَ خلقتنا؟ قال: خلقتُكم لحمل عرشي، قالوا: ربنا ومن يقوى على حمل عرشك وعليه عظمتك وجلالك ووقارك؟ قال: لذلك خلقَتُكم، فأعادوا عليه ذلك مرارًا فقال: قولوا: لا حول ولا قوة إلا بالله فحملوه.
قال: وهذه الكلمة لها تأثير عجيب في معاناة الأشغال الصعبة وتحمُّل المشاق، والدخول على الملوك ومن يخاف، وركوب الأهوال، ولها أيضًا تأثير في دفع الفقر، قال: ومبنى الدين على قاعدتين: الذكر، والشكر.
إذا رمتَ أن تحظى بعزٍّ برفعة بدنياك والأخرى لنيل السعادة
عليك بذكر الله جل جلاله وإياك أن تغفل ولو قدر لحظة
آخر:
إله الورى حتمٌ على الناس حمده لما جاد من فضل عليهم بلا من
وليس المراد بالذكر مجرد ذكر اللسان، بل الذكر لقلبي واللساني، وذلك يستلزم معرفته والإيمان به وبصفات كماله ونعوت جلاله، والثناء عليه بأنواع المدح، وذلك لا يتم إلا بتوحيده، فذكره الحقيقي يستلزم ذكر نعمه وآلائه وإحسانه إلى خلقه.
وأما الشكر فهو القيام بطاعته، فذكره مستلزم لمعرفته، وشكره متضمن لطاعته، وهما الغاية التي خُلق لأجلها الجن والإنس.
(فائدة): قال الشيخ تقي الدين: من ابتُلي ببلاء قلب أزعجه، فأعظم دواء له قوة الالتجاء إلى الله، وداوم التضرع والدعاء، فإن يتعلم الأدعية المأثورة ويتوخى الدعاء في مظان الإجابة؛ مثل آخر الليل، وأوقات الأذان والإقامة، وفي السجود وإدبار الصلوات، ويضم إلى ذلك الاستغفار.
وليتخذ وردًا من الأذكار طرفي النهار وعند النوم، وليصبر على ما يعرض له من الموانع والصوارف، فإنه لا بد أن يؤيده الله بروح منه، ويكتب الإيمان في قلبه، وليحرِص على عمود الدين، وليكن هِجِّيراه: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، فإنه بها يحمل الأثقال ويكابد الأهوال، وينال رفيع الأحوال، ولا يسأم من الدعاء والطلب، فإن العبد يستجاب له ما لم يعجل، وليعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا، ولم ينل أحد شيئًا من عميم الخير إلا بالصبر والله الموفق.
شعرًا:
لا تقصد الناس إذا أدبرت دنياك واقصد من جواد كريم
كيف يرجى الرزق من عند من يطلب الرزق من الرب الرحيم
آخر:
يا أيها الطالب من مثله رزقًا له جرت عن الحكمة
لا تطلبنَّ الرزق من طالبٍ مثلك محتاج إلى الرحمة
وارغَب إلى الله الذي لم يزَل في يده النعمة والنقمة
شعرًا:
بذكرك يا مولى الورى نتنعَّم وقد خاب قوم عن سبيلك قد عموا
شهدنا يقينًا أن علمك واسعٌ فأنت ترى ما في القلوب وتعلم
إلهي تحملنا ذنوبًا عظيمةً أسأنا وقصرنا وجودك أعظم
وحقك ما فينا مسيء يسره صدودك عنه بل يخاف ويندم
سكتنا عن الشكوى حياءً وهيبةً وحاجاتنا بالمقتضى تتكلم
إذا كان ذل العبد بالحال ناطقًا فهل يستطيع الصبر عنه ويكتم
إلهي فجد واصفح وأصلح قلوبنا فأنت الذي تولي الجميل وتكرم
وأنت الذي قربت قومًا فوافقوا ووفقتهم حتى أنابوا وأسلموا
وقلت استقاموا منةً وتكرمًا فأنت الذي قومتهم فتقوموا
لهم في الدجى أنس بذكرك دائمًا فهم في الليالي ساجدون وقوم
نظرت إليهم نظرةً بتعطف فعاشوا بها والناس سكرى ونوم
لك الحمد عاملنا بما أنت أهله وسامح وسلمنا فأنت المسلم
اللهم ألْهِمنا ذكرك وشكرك، ووفِّقنا لما وفَّقت له الصالحين من خلقك.
اللهم أحْي قلوبًا أماتها البعد عن بابك، ولا تعذِّبنا بأليم عقابك يا أكرم من سمح بالنوال وجاد بالأفضال.
اللهم أيقظنا من غفلتنا بلطفك وإحسانك، وتجاوَز عن جرائمنا بعفوك وغفرانك، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميِّتين برحمتك يا أرحم الراحمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.