فضل حفظ القرآن
قال محمد بن الحسين: ينبغي لمن علَّمه الله القرآن وفضَّله على غيره ممن لم يحمله، وأحب أن يكون من أهل القرآن وأهل الله وخاصته.
وممن وعده الله من الفضل العظيم.
وممن قال الله عز وجل: ﴿ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ ﴾ [البقرة: 121]، قيل: يعملون به حق العمل، وممن قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الذي يقرأ القرآن وهو ماهرٌ به مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن وهو يتتعتع فيه عليه شاق له أجران»؛ رواه البخاري.
وقال بشر بن الحارث الزاهد المعروف: سمعت عيسى بن يونس يقول: إذا ختم العبد القرآن قبل الملك بين عينيه.
فينبغي للإنسان الموفق أن يجعل القرآن كلام رب العزة والجلال ربيعًا لقلبه، يعمر به ما خرب من قلبه، يحرص كل الحرص على تلاوته وتفهمه والعمل به.
فيتأدب بآدابه ويتخلق بأخلاق شريفة يتميز بها عن سائر الناس ممن لا يقرؤون القرآن.
فأول ما ينبغي أن يستعمل تقوى الله في السر والعلانية باستعمال الورع في مطعمه، ومشربه، وملبسه، ومسكنه، ومعاملته، وبيعه، وشرائه.
وأن يكون بصيرًا بزمانه وفساد أهله، فيحذرهم على دينه مقبلاً على شأنه مهتمًّا بإصلاح ما فسد من أمره، حافظًا للسانه، مميزًا لكلامه.
إن تكلم تكلَّم بعلم إذا رأى الكلام صوابًا يخاف من لسانه أشد مما يخاف من عدوه؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: «من يضمن لي ما بين لَحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة».
وقال - صلى الله عليه وسلم -: «من وقي شرَّ قبقبه وذبذبه ولقلقه، فقد وجبت له الجنة»؛ أخرجه الديلمي من حديث أنس رضي الله عنه.
القبقب: البطن، والذبذب: الفرج، واللقلق: اللسان.
وأن يكون قليل الضحك مما يضحك منه الناس لسوء عاقبة الضحك، فإن سُرَّ بشيءٍ مما يوافق الحق تبسم.
ويتجنب كثرة المزاح؛ (لأنه في الغالب للعداوة مفتاح)، فإن مزح قال حقًّا، باسط الوجه طيب الكلام، لا يمدح نفسه بما فيه فكيف بما ليس فيه.
وما حسن أن يمدح المرء نفسه
ولكن أخلاقًا تذم وتمدح
آخر:
ودعوة المرء تطفئ نور بهجته
هذا بحق فكيف المدعي زللا
وأن يحذر نفسه أن تغلبه على ما تهوى مما يسخط مولاه.
ولا يغتاب أحدًا، ولا يحقر أحدًا، ولا يسب أحدًا، ولا يشمت بمصيبة، ولا يبغي على أحد، ولا يحسد أحدًا، ولا يسيء الظن إلا بمن يستحق ذلك.
ويجعل الكتاب والسنة والفقه فيهما دليله إلى كل خلق حسن جميل وأن يكون حافظًا لجوارحه عما نهى الله عنه.
إن مشى بعلم وإن قعد بعلم، حافظًا للسانه ويده عما لا يعنيه، ولا يجهل فإن جهل عليه حلم.
ولا يظلم، وإن ظلم عفا عملاً بقوله تعالى: ﴿ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ﴾ [آل عمران: 134]، ولا يبغي وإن بُغي عليه صبر، يكظم غيظه ليرضي ربه عز وجل: (ويغيظ عدوه الذي لا يألو جهدًا في السعي في هلاكه).
اللهم يا حي يا قيوم يا بديع السماوات والأرض، نسألك أن تكفينا ما أهَمَّنا وما لا نهتم به، وأن ترزقنا الاستعداد لما أمامنا، اللهم اجعلنا من المتقين الأبرار، وأسكنا معهم في دار القرار، اللهم وفِّقنا بحسن الإقبال عليك والإصغاء إليك، ووفِّقنا للتعاون في طاعتك والمبادرة إلى خدمتك وحسن الآداب في معاملتك، والتسليم لأمرك والرضا بقضائك، والصبر على بلائك والشكر لنعمائك، اللهم نوِّر قلوبنا بنور الإيمان، وثبِّتها على قولك الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، واجعلنا هداةً مهتدين، وتوفَّنا مسلمين، وألحقنا بعبادك الصالحين يا أكرام الأكرمين ويا أرحم الراحمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ