اليوم في 10:34 pm اليوم في 10:33 pm اليوم في 10:33 pm اليوم في 10:32 pm اليوم في 10:31 pm اليوم في 10:29 pm اليوم في 10:26 pm اليوم في 10:26 pm اليوم في 10:26 pm اليوم في 10:23 pm
الدنيا مذمومة كلها ما شغلت العبد عن الله، والعمل الصالح، والدار الآخرة، وما نفع منها لأمر الآخرة وأعان عليه فهو المحمود بقدره، كما جاء في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن الدنيا ملعونة ملعون ما فيها، إلا ذكر الله، وما والاه، وعالم أو متعلم". رواه ابن ماجه والبيهقي والترمذي وقال حديث حسن. وقد فهم بعض الناس من آيات الكتاب ونصوص السنة أن الذم في الدنيا مطلق على العموم، وهذا قول غير سديد، وبعد عن السنة النبوية غير رشيد، فحديث "الدنيا ملعونة..." قد أبان وجه الذم فيها، وهو الغفلة والإعراض عن الله - تعالى - وذكره، وعن العمل الصالح، والعلم النافع، وأما ما نفع وأعان وأرشد فهو المرجو والمطلوب. ولهذا جاء في "مختصر منهاج القاصدين"، للإمام محمد بن قدامة المقدسي قوله: "قد سمع خلق كثير ذم الدنيا مطلقًا، فاعتقدوا أن الإشارة إلى هذه الموجودات التي خلقت للمنافع، فأعرضوا عما يصلحهم من المطاعم والمشارب، وقد وضع اللَّه في الطباع توقان النفس إلى ما يصلحها، فكلما تاقت منعوها، ظنًا منهم أن هذا هو الزهد المراد، وجهلاً بحقوق النفس، وعلى هذا أكثر المتزهدين، وإنما فعلوا ذلك لقلة العلم، ونحن نصدع بالحق من غير محاباة... فالطريق السليمة هي الوسطى، وهي أن يأخذ من الدنيا قدر ما يحتاج إليه من الزاد للسلوك، وإن كان مشتهى، فإن إعطاء النفس ما تشتهيه عون لها وقضاء لحقها. وقد كان سفيان الثوري يأكل في أوقات من طيب الطعام، ويحمل معه في السفر الفالوذج، وكان إبراهيم بن أدهم يأكل من الطيبات في بعض الأوقات، ويقول: إذا وجدنا أكلنا أكل الرجال، وإذا فقدنا صبرنا صبر الرجال. ولينظر في سيرة رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وصحابته، فإنهم ما كان لهم إفراط في تناول الدنيا، ولا تفريط في حقوق النفس. وينبغي أن يتلمح حظ النفس في المشتهى، فإن كان في حظها حفظها وما يقيمها ويصلحها وينشطها للخير، فلا يمنعها منه، وإن كان حظها مجرد شهوة ليست متعلقة بمصالحها المذكورة فذلك حظ مذموم، والزهد فيه يكون" وجاءت آثار عن بعض السلف وأهل الزهد في هذا المعنى كقول يحيى بن معاذ: "كيف لا أحب دنيا قدر لي فيها قوت أكتسب به حياة، أدرك به طاعة أنال بها الجنة"، وقال الحسن: "نعمت الدار الدنيا كانت للمؤمن، وذلك أنه عمل قليلاً وأخذ زاده منها للجنة، وبئست الدار كانت للكافر والمنافق، وذلك أنه ضيع لياليه وكان زاده منها إلى النار". وقال سعيد بن جبير: "متاع الغرور ما يلهيك عن طلب الآخرة، وما لم يلهك فليس بمتاع الغرور ولكن متاع بلاغ إلى ما هو خير منه"، وقال رجل للتابعين: "لأنتم أكثر عملاً من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولكنهم كانوا خيراً منكم، كانوا أزهد في الدنيا".