تغسيل الميت وأحكامه
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وبعد:
فهذه نبذة تتعلق بتغسيل الميت والأحكام المتعلقة بذلك:
«غسل الميت فرض كفاية، فينبغي لمن قام بذلك أن ينوي أنه مؤد لهذه الفريضة لينال أجرها وثوابها من الله تعالى»[1].
«المسلم لا يجوز أن يغسل الكافر، أو يحمل جنازته، أو يكفنه، أو يصلي عليه، أو يتبع جنازته، لقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ﴾ [الممتحنة: 13]، فالآية تدل بعمومها على تحريم تغسيله، وحمله، واتباع جنازته، وقال تعالى: ﴿ وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُون ﴾ [التوبة: 84]، وقال تعالى: ﴿ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ ﴾ [ التوبة: 113]، لكن إذا لم يوجد من يدفنه من الكفار، فإن المسلم يواريه بأن يلقيه في حفرة منعًا للتضرر بجثته، ولإلقاء قتلى بدر في القليب، وهكذا يجب أن يكون موقف المسلم من الكافر حيًّا وميتًا، موقف التبرؤ والبغضاء، وكذا حكم المرتد، كتارك الصلاة عمدًا، وصاحب البدعة المكفرة»[2].
إذا مات الميت وجب على طائفة من الناس أن يبادروا إلى غسله لقول النبي صلى الله عليه وسلم للذي وقصته راحلته: «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ»[3]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ»[4].
الغاسل مؤتمن على الميت، فيجب عليه أن يفعل ما يلزم في تغسيله وغيره.
الغاسل مؤتمن على الميت، فيجب عليه أن يستر ما رآه فيه من مكروه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ غَسَّلَ مُسْلِمًا فَكَتَمَ عَلَيْهِ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ أَرْبَعِينَ مَرَّةً، وَمَنْ حَفَرَ لَهُ فَأَجَنَّهُ أَجْرَى عَلَيْهِ كَأَجْرِ مَسْكَنٍ أَسْكَنَهُ إِيَّاهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ كَفَّنَهُ كَسَاهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سُنْدُسِ وَإِسْتَبْرَقِ الْجَنَّةِ»[5].
الغاسل مؤتمن على الميت، فلا ينبغي أن يمكن أحدًا من الحضور عنده إلا من يحتاج إليه لمساعدته في تقليب الميت، وصب الماء ونحوه.
لا يغسل الرجل المرأة إلا أن تكون زوجته، ولا المرأة الرجل إلا أن يكون زوجها، إلا من هو دون سبع سنين، فيغسله الرجل والمرأة سواء كان ذكرًا أم أنثى، لحديث عائشة رضي الله عنها: «لَوْ كُنْتُ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَااسْتَدْبَرْتُ، مَا غَسَّلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم غَيْرُ نِسَائِهِ»[6]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة: «لَوْ مِتِّ قَبْلِي لَغَسَّلْتُكِ، وَكَفَّنْتُكِ»[7]، وغسلت أسماء بنت عميس زوجها أبا بكر الصديق.
قال ابن المنذر: «أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم، على أن المرأة تغسل الصبي الصغير؛ لأنه لا عورة له في الحياة، فكذا بعد الموت، ولأن إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم غسله النساء، وليس لامرأة غسل ابن سبع سنين فأكثر، ولا لرجل غسل ابنة سبع سنين فأكثر»[8].
«يستحب للغاسل إذا فرغ أن يغتسل كما يغتسل للجنابة، فإن لم يغتسل فلا حرج عليه»[9]، لحديث ابن عمر رضي الله عنه: كنا نغسل الميت، فمنا من يغتسل، ومنا من لم يغتسل[10].
«الأفضل أن يختار لتغسيل الميت ثقة عارف بأحكام التغسيل؛ لأنه حكم شرعي له صفة مخصوصة لا يتمكن من تطبيقها إلا عالم بها على الوجه الشرعي، لا سيما إذا كانوا من أهله وأقاربه؛ لأن الذين تولوا غسله صلى الله عليه وسلم كانوا من أهله، كعلي رضي الله عنهوغيره، وأولى الناس بغسله وصيه الذي أوصى أن يغسله، ثم أبوه، ثم جده، ثم الأقرب فالأقرب من عصباته، ثم ذوو أرحامه»[11].
شهيد المعركة لا يغسل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم: «أَمَرَ بِقَتْلَى أُحُدٍ أَنْ يُدْفَنُوا فِي ثِيَابِهِم، وَلَمْ يُغَسَّلُوا، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ»[12]. وكذلك لا يكفن ولا يصلى عليه بل يدفن بثيابه.
«السقط، وهو الولد يسقط من بطن أمه قبل تمامه ذكرًا كان أو أنثى إذا بلغ أربعة أشهر غسل، وكفن، وصلي عليه؛ لأنه بعد أربعة أشهر يكون إنسانًا.
يشترط أن يكون الماء الذي يُغسل به الميت طهورًا مباحًا، وأن يغسل في مكان مستور، ولا ينبغي حضور من لا علاقة له بتغسيل الميت»[13].
وقد وردت أحاديث في غسل الميت كثيرة، فمن ذلك ما رواه أبو داود في سننه من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «لَمَّا أَرَادُوا غَسْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالُوا: وَاللَّهِ مَا نَدْرِيأَنُجَرِّدُرَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ ثِيَابِهِ كَمَا نُجَرِّدُ مَوْتَانَا، أَمْ نَغْسِلُهُ وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ؟ فَلَمَّا اخْتَلَفُوا أَلْقَى اللَّهُ عَلَيْهِمُ النَّوْمَ حَتَّى مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ إِلَّا وَذَقْنُهُ فِي صَدْرِهِ، ثُمَّ كَلَّمَهُمْ مُكَلِّمٌ مِنْ نَاحِيَةِ الْبَيْتِ لاَ يَدْرُونَ مَنْ هُوَ: أَنْ اغْسِلُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ، فَقَامُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَغَسَلُوهُ وَعَلَيْهِ قَمِيصُهُ، يَصُبُّونَ الْمَاءَ فَوْقَ الْقَمِيصِ وَيُدَلِّكُونَهُ بِالْقَمِيصِ دُونَ أَيْدِيهِمْ، وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ: لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ، مَا غَسَلَهُ إِلَّا نِسَاؤُهُ»[14].
وروى البخاري ومسلم من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المحرم الذي وقصته ناقته: «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ، وَلَا تُحَنِّطُوهُ، وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا»[15].
وروى البخاري ومسلم من حديث أم عطية رضي الله عنها قالت: دَخَلَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَنَحْنُ نَغْسِلُ ابْنَتَهُ زَيْنَبَ، فَقَالَ: «اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا، أَوْ خَمْسًا، [أَوْ سَبْعًا]، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ»، قُلْتُ: وِتْرًا، قَالَ: «[نَعَمْ]، وَاجْعَلْنَ فِي الآخِرَةِ كَافُورًا، أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ، فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي»، فَلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ،فَأَلْقَى إِلَيْنَاحِقْوَهُ[16]، فَقَالَ: «أَشْعِرْنَهَا[17] إِيَّاهُ» [تَعْنِي إِزَارَهُ]، قَالَتْ: وَمَشَطْنَاهَا ثَلَاثَةَ قُرُونٍ، وَفِي رِوَايَةٍ: نَقَضْنَهُ، ثُمَّ غَسَلْنَهُ، [فَضَفَرْنَا شَعْرَهَا ثَلَاثَةَ أَثْلَاثٍ: قَرْنَيْهَا وَنَاصِيَتَهَا وَأَلْقَيْنَاهَا خَلْفَهَا]، [قَالَتْ: وَقَالَ لَنَا: «ابْدَأنَّ بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الوُضُوءِ مِنْهَا]»[18].
«وأما صفة تغسيل الميت فهي كالآتي:
يكون التغسيل في مكان مستور عن الأنظار، ومسقوف من بيت أو خيمة ونحوها إن أمكن.
يُستر ما بين سرة الميت وركبته وجوبًا قبل التغسيل، ثم يجرد من ثيابه، ويوضع على سرير الغسل منحدرًا نحو رجليه، لينصب عنه الماء وما يخرج منه.
ويكون التغسيل: بأن يرفع الغاسل رأس الميت إلى قرب جلوسه، ثم يمر على بطنه ويعصره برفق؛ ليخرج منه ما هو مستعد للخروج، ويُكثرُ صَبَّ الماء حينئذ؛ ليذهب بالخارج، ثم يلف الغاسل على يده خرقة خشنة؛ فينجي الميت، وينقي المخرج بالماء.
ثم ينوي التغسيل، ويسمي، ويوضئه كوضوء الصلاة، إلا في المضمضة والاستنشاق، فيكفي عنهما مسح الغاسل أسنان الميت ومنخريه بأُصبعيه مبلولتين أو عليهما خرقة مبلولة بالماء، ولا يدخل الماء فمه ولا أنفه، ثم يغسل رأسه ولحيته برغوة سدر أو صابون.
ثم يغسل ميامن جسده، وهي: صفحة عنقه اليمنى، ثم يده اليمنى وكتفه، ثم شِقَّ صدره الأيمن وجنبه الأيمن وفخذه الأيمن وساقه وقدمه الميامن، ثم يقلبه على جنبه الأيسر، فيغسل شق ظهره الأيمن، ثم يغسل جانبه الأيسر كذلك، ثم يقلبه على جنبه الأيمن، فيغسل شق ظهره الأيسر، ويستعمل السدر مع الغسل أو الصابون، ويُستحب أن يلف على يده خرقة حال التغسيل.
والواجب غسلة واحدة إن حصل الإنقاء، والمستحب ثلاث غسلات، وإن لم يحصل الإنقاء زاد في الغسلات حتى ينقي إلى سبع غسلات، ويستحب أن يجعل في الغسلة الأخيرة كافورًا؛ لأنه يُصلِّب بدن الميت، ويطيبه، ويبرده، فلأجل ذلك يُجعل في الغسلة الأخيرة؛ ليبقى أثره.
ثم ينشف الميت بثوب ونحوه، ويقص شاربه، وتقلم أظفاره إن طالت، ويؤخذ شعر إبطيه، ويُجعل المأخوذ معه في الكفن، ويُضفر شعر رأس المرأة ثلاثة قرون، ويسدل من ورائها.
وأما إذا تعذر غسل الميت لعدم الماء، أو خيف تقطعه بالغسل، كالمجذوم والمحترق، أو كان الميت امرأة مع رجال ليس فيهم زوجها، أو رجلًا مع نساء ليس فيهم زوجته، فإن الميت في هذه الأحوال يُيمم بالتراب، بمسح وجهه وكفيه من وراء حائل على يد الماسح، وإن تعذر غسل بعض الميت، غُسل ما أمكن غسله منه، ويمم عن الباقي»[19].
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.