خدعنَ الغرب بوقوفهن ضدّ الثوار في دول الربيع العربي
زوجات رؤساء.. قسوة خلف أقنعـة إنسانية
يدور جدل مستفيض في الأوساط الغربية عن مدى مسؤولية السيدات الأُول في العالم العربي عن إثارة الشعوب ضدهن وتغذية ثورات الربيع العربي في بلدانهن بصورة غير مباشرة، وتواطئهن مع ازواجهن في قمع الثوار،إذ يذهب بعض المحللين إلى ان هؤلاء النسوة لا يرمزن فقط للسلطة وامتيازاتها، وانما يعكسن ايضا الصراع من اجل السلطة في محاولة بعضهن حث ابنائهن على تولي منصب آبائهم بعد الممات او الاستقالة، واستغلالهن ثروات البلاد، الأمر الذي يغذي كراهية الشعب ضدهن.
علاقات عامة
نساء القذافي
في ليبيا كان الزعيم الليبي الراحل، معمر القذافي، يظهر دائماً بجانب ممرضته الأوكرانية وحراسه من النساء، إلا أن زوجته صفية بركاش ـ وهي ممرضة أيضاً ـ كانت واسعة الثراء، وكانت ابنته عائشة، التي وصفها البعض بأنها مثل عارضة الأزياء كلوديا شيفر، محامية من ضمن فريق الدفاع عن الرئيس العراقي السابق، صدام حسين، وكان والدها القذافي يقدمها على انها نموذج من النساء العصريات المدافعات عن حقوق المرأة.
صفية القذافي التي كانت تبتعد كثيرا عن الأضواء حاولت مرات قليلة الظهور في الإعلام الغربي لاعبة دور المرأة البسيطة التي تحاول اسدال دثار من الانسانية على زوجها، ففي ثمانينات القرن الماضي وصفت زوجها القذافي للصحافة الاميركية بأنه رجل «يخاف حتى من فرخة مذبوحة»، وتضيف «إذا شعرت بأنه ارهابي فلن اعيش معه أو أنجب منه ابناء، انه انسان بمعنى الكلمة».
صفية القذافي: زوجي يخاف حتى من فرخة مذبوحة. أرشيفية
في ديسمبر من عام ،2010 جلست السيدة الفرنسية الأولى، كارلا بروني لتناول طعام الغداء مع السيدة السورية الاولى، أسماء الأسد في قصر الإليزيه، برفقة زوجيهما الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي، والسوري بشار الاسد، وخلال جلوسهما دخل مصور لالتقاط الصور لنشرها في المجلات الفرنسية الخاصة بالمشاهير. وعلى العموم فإن هذا اللقاء يعتبر عرضاً فريداً للأزياء، إحدى بطلاته عارضة أزياء ايطالية سابقة، تحولت الى مغنية مولهة بمنتجات شانيل، والثانية فتاة ترعرعت في أحضان بريطانيا، مصرفية سابقة وسيدة أولى شرق اوسطية بأفكار غربية.
صنفت صحيفة «إيليه» الفرنسية السيدة الاسد بأنها «المرأة الأكثر اناقة في عالم السياسة»، ووصفتها «باريس ماتش» بأنها «ديانا شرقية»، وايضا «شعاع من نور في بلد مملوء بالظلال». بعد ايام من دعوة الغداء تلك حرق بائع الفواكه التونسي، محمد البوعزيزي، نفسه مفجرا اول شرارة في الربيع العربي، ومن ثم بدأت الحكاية.
يقول احد الخبراء الفرنسيين في شؤون الشرق الاوسط إن «كل ثورة لها سيدة ماكبث الخاصة بها»، في اشارة الى ليدي ماكبث في مسرحية شكسبير الشهيرة (ماكبث)، و«ان جميع زوجات الطغاة، على الرغم من اختلافهن، يجمع بينهن كراهية يكنها لهن شعبهن، ويشتركن في اقتناء الثروات الطائلة والملابس الفاخرة والحياة الناعمة».
تململ بعض الدبلوماسيين لتصرف ساركوزي في استضافته طاغية معروف بممارسته التعذيب والوحشية ضد شعبه، بيد ان ساركوزي، الخبير بالأهمية السياسية للزوجات المتألقات يعتبر أسماء الاسد ضماناً لسياساته الخارجية، حيث صرح وزير الخارجية الفرنسي السابق، برنار كوشنير في ما بعد للصحافيين مبررا دعوة الاسد قائلا «عندما ندعي أن هذا أسوأ نوع من الطغاة فإن ساركوزي قد يقول إن بشار يحمي المسيحيين، وان له زوجة عصرية مثل زوجته (كارلا)، ولهذا فلن يكون الرجل سيئا للغاية».
والآن وبعد 11 شهراً من الاضطهاد الدموي الذي يتعرض له الثوار في سورية، ومقتل الآلاف ونزوح عشرات الآلاف فإن استراتيجية العلاقات العامة «الإصلاحية» التي تتبناها أسماء الاسد، بريطانية المولد، التي تمثل الوجه الرقيق للنظام ذهبت أدراج الرياح.
وظهورها بجانب زوجها مرتدية زياً أنيقاً للإدلاء بصوتيهما في الاستفتاء على الدستور الجديد لم يضف شيئا سوى انه عمق اتهامات المعارضة لها بأنها اصبحت «ماري انطوانيت اليوم»، (في إشارة إلى زوجة لويس السادس عشر التي أعدمتها الثورة الفرنسية).
الموضوع الذي حملته مجلة «فوغ» العام الماضي، والذي تظهر فيه اسماء الاسد منتعلة «حذاء لوبوتين»، ويعكس العمل الخيري الذي تقوم به، اضافة الى ظهورها في حملة محتضنة اطفالها، وأيضا الرسالة الالكترونية التي بعثت بها الى صحيفة «التايمز» اللندنية توضح فيها مساندتها زوجها، كل ذلك اشعل جدالاً مستفيضاً حول دور نساء رؤساء عرب في الربيع العربي.
جبروت
ليلى طرابلسي، زوجة الرئيس التونسي السابق، زين العابدين بن علي، المرأة الطموحة سياسيا، يعتبرها التونسيون السيدة الأكثر كرها وفساداً، والتي اختلست ثروة بلادها للحد الذي بدت فيه السيدة الفلبينية السابقة، ايميلدا ماركوس، تبدو قزمة بجانبها.
اشعلت طرابلسي الشعور بانعدام المساواة والذي أشعل بدوره الثورة، وأمسكت بزمام اقتصاد البلاد على غرار اسلوب المافيا، واستطاعت ان تثري وتثري بالتالي عائلة زوجها الذين يعتقد انهم يسيطرون على 30 إلى40٪ من الاقتصاد التونسي، والذين يديرون كل شيء بدءاً من الجمارك، واستيراد السيارات الى سلسلة الاسواق واستيراد الموز. وكان اقرباؤها يطردون الناس من منازلهم للاستيلاء عليها، ويصادرون اعمالهم اذا احسوا بأنه يمكنهم الاستفادة منها. ودرجت طرابلسي على نهب القطع الاثرية لتزين بها قصورها.
هذه السيدة نشرت الرعب في عقول أبناء شعبها وألهمتم رواية قصص مملوءة بالخوف والخرافات، أحد الكتب التي ألفها عنها كبير خدامها يصف كيف انها كانت تذبح الحرباءات لعمل السحر لزوجها، وكيف انها عاقبت احد الطباخين عن طريق وضع يديه في الزيت المغلي. ومن منفاهما في السعودية يسعى الزوجان الرئاسيان السابقان لاستئناف الحكم الصادر ضدهما غيابيا بالسجن 35 عاما لسرقتهما واستيلائهما من دون وجه حق على مبالغ طائلة من العملة الصعبة والمجوهرات والقطع الاثرية والمخدرات والاسلحة. ويعتبر هذا الحكم واحداً من العديد من الاتهامات الموجهة إليهما. اذ انه وبعد هروبهما خارج البلاد تم اكتشاف مبلغ نقدي يصل إلى 27 مليون دولار اضافة الى مجوهرات واسلحة وكيلوغرامين من المخدرات مخبأة في احد القصور خارج تونس العاصمة.
الوجه الآخر
استطاع بشار الأسد ان يستخدم زوجته أسماء وجهاً إصلاحياً للنظام، ذلك لان السيدة الاسد ولدت وترعرت في العاصمة البريطانية لندن، ونالت درجة جامعية في علوم الحاسوب في كينغ كوليدج، وحصلت فيما بعد على وظيفة مرموقة في مصرف «جي بي مورغان». و أسماء تصغر بشار الذي جاء الى لندن لدراسة جراحة العيون بـ10 سنوات، هي من الطائفة السنّية، وينتمي والدها الى مدينة حمص. كل هذه المواصفات يمكن استغلالها من قبل فريق علاقات عامة حاذق لتوظيفها لصالح نظام «على طريق الإصلاح».
وفي دمشق كثيرا ما يظهر الزوجان الرئاسيان وهما يتناولان الغداء في الخارج، او يتجولان بالسيارة، ليعكسا وجهان شابان يفضلان الحياة الحرة والشقق السكنية على فخامة القصور.
بعد مقابلتها مع صحيفة «فوغ»، وبعد استمرار النظام في قمع معارضيه بالدم والحديد، صمتت أسماء الأسد، وتساءلت صحيفة «التايمز» في فبراير الماضي «ماذا تعتقد أسماء الاسد الذكية المولودة في لندن المرأة المتعلمة المترعرعة في بريطانيا الليبرالية المكرسة جهودها فيما يبدو لأعمال الخير؟ ماذا تعتقد فيما يجري من افعال شريرة تجري يومياً في سورية؟ هل هي غير مبالية بالمعاناة التي تتعرض لها طائفتها السنية من قبل سدنة زوجها العلوي؟ أو انها مرعوبة؟ هل اصبحت الاميرة ديانا السورية ماري انطوانيت؟».
وجاء الرد من مكتبها يقول إن «الرئيس هو رئيس سورية جميعها وليس رئيس طائفة سورية، وان السيدة الاولى تسانده للاضطلاع بذلك الدور»، ويضيف البيان أن «جدول اعمال السيدة الاولى المزدحم لايزال يركز على دعم مختلف الاعمال الخيرية المرتبطة بها منذ وقت طويل، اضافة الى دعمها الرئيس». يقول الخبير بمعهد باريس للعلاقات الدولية والاستراتيجية، كريم بيطار «الغريب في الامر ان الأسد وعقيلته كانا قبل اندلاع الثورة زوجان عصريان»، بيد انهما فيما بعد عكسا وجهاً بارداً.
وراء الكواليس
استطاعت السيدة المصرية الاولى، سوزان مبارك، ان تجمع ثروة بمليارات الدولارات في بلد يعيش 40٪ من ابنائه على اقل من دولارين في اليوم، وهي الآن تخضع للتحقيق بجانب زوجها في ادعاءات بجرائم ضد الدولة وتنازلت عن اصول تصل قيمتها الى أربعة ملايين دولار تقريباً.
قبل الثورة المصرية كانت جميع صفحات الصحف المصرية مخصصة لتغطية اخبار الاعمال الخيرية التي تقوم بها السيدة المصرية الاولى، إلا ان هذه الانشطة، مثلها مثل انشطة السيدة طرابلسي، لم تكن سوى صورة للتعمية، فقد ترأست السيدة التونسية الاولى العديد من الكيانات النسوية المتعلقة بحقوق المرأة، وكرمت نفسها بالعديد من الجوائز، بيد ان الحركة النسوية التونسية المنادية بالديمقراطية ترى ان اعضاءها يتعرضن بانتظام للضرب في الطرق على ايدي شرطة النظام، وان السجينات السياسيات يتعرض للاغتصاب والتعذيب، في الوقت الذي تتعرض فيه النساء المصريات للقهر والكبت.
بعض القصص التي تروى عن سوزان مبارك تصفها بأنها عند اشتعال الانتفاضة المصرية ألقت بنفسها على ارضية القصر الرئاسي باكية رافضة مغادرته، وكانت تسيطر على الوظائف الحكومية، وتقول عنها بعض الروايات إنها كانت تحث ابنها على خلافة والده على السلطة.