العقدة النفسية
ظهر مصطلح العقدة النفسيّة في بداياته في مدرسة التحليل النفسي؛ حيث كان سيجموند فرويد يرى في مصطلح العقدة نوعاً من أنواع الكلمات السهلة التي لا يمكن التخلي عنها في العديد من المواقف، وذلك لدورها في جمع الحقائق النفسيّة في إطار وصفي. وأشارت الدراسات النفسيّة السابقة لفرويد إلى كلمة عقدة ضمن دراسة الهستيريا التجريبيّة، وعموماً يعرَّف مصطلح العُقدة النفسيّة بأنه مجموعة من الأفكار والاتّجاهات والتّصورات التي تمتلك قيمة وجدانيّة كبيرة، وتتميّزُ بأنها لا شعوريّة في جزء منها أو في جميع أجزائها. وتتكوّن العُقدة النفسيّة غالباً خلال فترات ومراحل النمو التي يمرّ بها الإنسان في طفولته، كما تُعرَّف العُقدة النفسيّة بأنّها ظاهرة سلوكيّة تمتلك وجودها المستقل وتتولّد نتيجة لممارسات الكبت. ومن التعريفات الأُخرى للعُقدة النفسيّة أنّها أنظمة وأنماط سلوكيّة موجودة بشكلٍ مستمر ودائم، ومن الأمثلة عليها فهم اللغات وامتلاك مهارات موسيقيّة، وتظلّ هذه الأنماط أو التصرفات مستمرةً ومستعدةً للانطلاق دائماً.
دلالات وجود العقدة النفسية
يمتلك كلّ سلوك نفسيّ مجموعةً من المميّزات والخصائص، ويتميّزُ السلوك النفسيّ المعقد بوجود دلالات تدلُّ على وجوده عند الشخص، وتُمثّل هذه الدلالات ميزتين أساسيتين، وهما:
سلوك مبالغ فيه وزائد عن الحدّ: وهو ظهور السلوك المعقد من العدم دون وجود أي مثير أو تفصيلات بسيطة، وينتج عن ذلك ردود فعل حادة ومبالغ فيها وتهويل للمواقف الّتي لا تحتاج للتهويل، كما تظهر مجموعة من ردود الأفعال التعويضيّة للعُقدةِ الّتي يُعاني منها الفرد.
سلوك تافه ومتكرّر وذاتي: هو ظهور السلوك المُعقد مع وجود تغيّرٍ في ردود الأفعال وفقاً للمواقف والمناسبات، فيظهر الخجل من الجانب النفسيّ مع تزامن ظهور الذاتيّة بجميع حدودها، أمّا الفرد الذي يعاني من عقدة الاستعلاء تبقى الآلية السلوكيّة لردود الأفعال الخاصة به ثابتة وتؤدي الدور نفسه، ويظهر هذا في حال التركيز على المحتوى الحسي المتغيّر.
كيف تتخلص من العقدة النفسية
درس علم النَّفس التاريخ النمائي الخاص بالفرد والذي يُحدّد الأسباب الممكنة والمسببة لبعضِ الاتّجاهات الخاطئة، والتي تعزّز من فهم القناعات والخيارات غير السليمة، فأوجد الكثير من الطُرقِ والأساليب العلاجيّة التي تساعد الفرد على التخلصِ من العُقدِ النفسيّة التي يعاني منها بغض النظر عن نوعيتها، ومن الممكن أن يُطبقَ الفرد هذه الأساليب على نفسه أو قد يحتاج إلى الأخصائيين والمرشدين المختصين في مجالات العلاج النفسي، وفيما يأتي مجموعة من أبرز هذه الطُرق:
استدعاء الإرادة: هي دعم الفرد لنفسه في حلّ المشكلة التي يواجهها؛ من خلال استخدام طرق واستراتيجيّات السيطرة على الانفعالات والعادات السيئة وعدم الاستسلام لها وتركها تسيطر عليه.
إبراز التلقائية والعفوية: هي طريقة تعمل على تحفيز المشاعر التي تعتمد على تقبل النّفس كما هي، والابتعاد عن الدخولِ في الصراعات الداخلية معها، بالإضافةِ إلى التدرّبِ على الاسترخاء وتناول المواقف المختلفة كما هي دون الخوض والمبالغة في تفسيراتها، وترك العنان للذات حتّى تتحرك وتتفاعل دون قيود وهمية.
مهاجمة الالتواءات السلوكيّة المعقدة: هي دور المرشد أو المختص في الإثبات المباشر لعدمِ منطقيّة ومعقولية الالتواءات السلوكية التي تؤدي إلى غرس السلوك المعقد، وذلك عن طريق تفسير الجوانب التافهة والمبالغ فيها في ردود الفعل، ونفي الحقائق المغروسة
في مخيلة الإنسان، وقد يتمكّن الفرد من استخدام هذا الأسلوب مع نفسه في أوقات غياب نماذج المواقف التي تثير السلوك النفسيّ المُعقد الذي يعاني منه.
الابتعاد عن ظهور النّفس بصورة مختلفة: هي بقاء الفرد على صورته الأصيلة، والابتعاد عن الظهور بصورةٍ مغايرة عن كينونته الأصلية، والحرص على التزام الصدق مع الذات في كافة المجالات الحياتية.
منح الفرصة للنّفس حتّى تعيش المراحل العمرية: أي محافظة الفرد على النسق التدريجيّ لعملية النضج، والابتعاد عن السعي للتّقدمِ بشكلٍ سريع في عيش مراحله العمرية.
الابتعاد عن الخجل: هو اهتمام الفرد ببناء العلاقات الاجتماعية والتعرّف على أشخاص جُدّدٍ في بيئات جديدة بشكلٍ مستمر، والبحث عن الأصدقاء المحبين والأشخاص الذين يبادلون الاحترام مع من حولهم، بمعنى الاهتمام بالمحافظة على العلاقات الاجتماعيّة البنّاءة والسليمة.
العلاج الجماعي أو الاجتماعي: هو العلاج المعتمد على اجتماع مجموعة من الأفراد في الجلسة العلاجيّة الواحدة؛ بحيث يكون أفراد هذه المجموعة مشتركون بالمعاناةِ من عقدة نفسية تتشابه بينهم، وتكون جلسات العلاج الجماعيّة مضبوطة من قبل المرشد بشكلٍ منظّم؛ ممّا يسهل على الفرد عملية تدرجه في فهم ذاته وإدراكه للمشاكل التي يعاني منها الأشخاص الآخرون، فتظهر للفرد الصورة العامة لمشاكله الذاتية والعقدية، بالإضافةِ إلى فتح مجال التفاعل الاجتماعي واتساع دائرة العلاقات الاجتماعيّة.
الاعتزاز بالذات: هي محاولة الفرد تحقيق عدّة إنجازات وأعمال تساعده على الاعتزاز بذاته وإحساسه بقدرته على الإنجاز.
الجلوس مع الذات بصدق: هي بحث الفرد عن حقيقةِ نفسه حتّى تتسنى له معرفة من يكون وماذا يشعر، فيتمكّن من الوصول إلى مرحلةٍ أفضل من فهم ذاته وتحديد هويته الشخصيّة والذاتيّة ومعرفة قدراته الفردية، وتحديد الإنجازات التي حقّقها. ومن الواجب على الفردِ الحفاظ على ثقته بنفسه واعتداده بذاته وإيمانه بها.
الابتعاد عن المقارنة بين الذات الواقعيّة والصورة المثاليّة: هي تجنّب الفرد تطبيق أي مقارنة بين ذاته والصورة المثاليّة التي يرسمها لها في مخيلته، كما يجب تخفيف تأثيرات حالات الهوس بالعيوب، وعدم تهويلها وتجاهلها، وتوجيه الاهتمام والتركيز إلى المميزات والسمات الإيجابيّة.
إدراك المشكلة النفسيّة: وهي من أهم الطُرق التي يجب أن يُنفّذها الفرد، فمن الضروري أن يكون وعياً ومدركاً بالمشكلةِ النفسيّة التي يعاني منها، وأن يعترفَ لنفسه بوجودها وتأثيرها فيه.
التخلص من المخاوف الذاتية: هي محاولة الفرد الابتعاد عن الاختباء وراء مخاوفه، والخروج من دائرة الانعزال الذاتي؛ عن طريق تحدي الخوف ومواجهة الواقع وتجاهل نظرات الآخرين تجاهه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ