لقد حفلت ذاكرة التاريخ الإسلامي بنماذج من النساء، قلَّ أن يجود الزمان بمثلهنَّ، ولقد ذكر لنا القرآن الكريم بعضَ أسماء النِّساء الصالحات؛ لكي يكنَّ قدوة لغيرهن إلى يوم القيامة.
أولًا: بعض النماذج النسائية التي خلَّدها القرآن الكريم:
من بين النساء الصالحات اللاتي ذكرهن وخلَّدهن القرآن الكريم تلميحًا أو تصريحًا (امرأة عمران - مريم - امرأة فرعون - عائشة - زينب بنت جحش - خولة بنت ثعلبة... إلخ)، وغيرهن كثيرات رضي الله تعالى عنهن جميعًا.
1 - ذكر امرأة عمران رضي الله عنها في القرآن الكريم: قال تعالى: ﴿ إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [آل عمران: 35].
2 - ذكر مريم رضي الله عنها في القرآن الكريم: قال تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ * يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ ﴾ [آل عمران: 42، 43]، وكذلك ذُكرت في آيات أخرى عديدة.
3 - ذكر امرأة فرعون رضي الله عنها في القرآن الكريم: قال تعالى: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [التحريم: 11]، وقال تعالى: ﴿ وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [القصص: 9].
4 - ذكر أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في القرآن الكريم وتبرئتها مما أشاعه المنافقون: قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ * لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ ﴾ [النور: 11، 12].
5 - ذكر أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها في القرآن الكريم لإبطال عادة التبنِّي: قال تعالى: ﴿ وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا * مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا ﴾ [الأحزاب: 37، 38].
6 - ذكر السيدة خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها في القرآن الكريم: قال تعالى: ﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾ [المجادلة: 1].
• القدوة هاهنا، والمثل هاهنا، والزاد هاهنا، لكلِّ من تبحث عن القدوة، وعن المثل، وعن الزاد من المَعين الذي لا ينضب، والخير الذي لا ينفد.
• وهناك بعض النماذج اللاتي نزل فيهن قرآن يتلى ويُتعبَّد بتلاوته إلى يوم القيامة.
7 - آية تنزل لتُسري عن السيدة أسماء بنت عُميس: قال مقاتل بن حيان: بلغني أنَّ أسماء بنت عُميس لما رجعتْ من الحبشة معها زوجها جعفر بن أبي طالب، دخلتْ على نساء النَّبي صلى الله عليه وسلم فقالت: هل نزل فينا شيء من القرآن؟ قلن: لا، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسولَ الله، إن النساء لفي خيبة وخسار، قال: ((وممَّ ذلك؟))، قالت: لأنهن لا يُذكرن بالخير كما يُذكر الرجال، فأنزل الله تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ... ﴾ [الأحزاب: 35]؛ إلى آخرها.
• وقال قتادة: لما ذكر الله تعالى أزواجَ النَّبي صلى الله عليه وسلم، دخل نِساء من المسلمات عليهنَّ فقلن: ذُكرتنَّ ولم نُذكر، ولو كان فينا خير لذُكرنا، فأنزل الله تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ... ﴾ [الأحزاب: 35].
• والنماذج التي ذكرت إنما هي غيض من فيض، وقليل من كثير، من أسماء النساء اللاتي خلَّدهن القرآن الكريم.
ثانيًا: بعض النماذج النسائية التي خلَّدتها أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم:
لقد وردتْ عدَّة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم تخلِّد ذكر بعض النساء الصالحات، منها:
1 - عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((خير نِسائها مريم بنت عمران، وخير نسائها خديجة بنت خويلد))؛ (رواه الشيخان عن علي بن أبي طالب).
2 - عن أنَس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((خير نساء العالمين أربع: مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت رسول الله))؛ (رواه ابن مردويه عن أنَس بن مالك).
3 - قال ابن عباس رضي الله عنه: خطَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأرض أربعة أخطط ثم قال: ((تدرون ما هذا؟))، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ((أفضل نساء أهل الجنة: خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، ومريم بنة عمران، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون)).
4 - وفي البخاري: ((كَمَل من الرجال كثير، ولم يَكمل من النساء إلَّا آسية امرأة فرعون، ومريم بنت عمران، وإنَّ فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام))؛ (الثريد: طعام من خبزٍ مفتوت ولَحْم ومَرَق).
ثالثًا: بعض النماذج النسائية التي خلدتها السيرة النبوية المطهرة:
وكذلك خلَّدت سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ذكر بعض النساء الصالحات، منها:
1 - السيدة صفية بنت عبدالمطلب: في غزوة الخندق، وضع النبي صلى الله عليه وسلم النساءَ والأطفال في الحصون لحمايتهم، فكانت صفية وأمهات المؤمنين في حصن حسان بن ثابت، وكان من أمنع حصون المدينة، وبينما كان المسلمون منشغلين بقتال عدوهم، تسلَّل يهودي وطاف بالحصن يتجسس أخباره، فأدركتْ أنه يريد معرفة أفي الحصن رجال أم أنه لا يضم غير النساء والأطفال، فحملتْ عمودًا وتلطَّفتْ حتى كانت في موضع تمكَّنت فيه من عدوها، ضربته على رأسه فوقع، فانهالت عليه حتى مات؛ لكي لا ينقل خبرهم إلى قومه، ثم حزَّت رأسه بسكين، وقذفت بها من أعلى الحصن، فطفق يتدحرج حتى استقرَّ بين أيدي يهود كانوا يتربَّصون في أسفله، فلما رأى اليهود رأسَ صاحبهم، قالوا: "قد علمنا أنَّ محمدًا لم يكن ليترك النساء والأطفال من غير حماة"، فعادوا أدراجهم.
2 - السيدة نسيبة بنت كعب: شهدت أم عمارة (نسيبة بنت كعب) ليلة العقبة، وشهدت أُحُدًا والحُديبية ويوم حُنين ويوم اليمامة، وجاهدت وفعلت الأفاعيل، وقُطعت يدها في الجهاد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لَمقام نسيبة بنت كعب اليوم خيرٌ من مقام فلان وفلان)).
• وروى عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ما التفتُّ يوم أُحد يمينًا ولا شمالًا إلَّا وأراها تقاتل دوني)).
3 - السيدة أم حكيم بنت الحارث: شهدتْ أُحدًا كافرة، ثمَّ أسلمت يوم الفتح، كانت تحت ابن عمها عكرمة بن أبي جهل، ولما أسلمت كان زوجها قد هرب إلى اليمن، فاستأمنت له من النبي صلَّى الله عليه وسلم واستأذنته في أن تسير في طلبه، فأذن لها، فردَّته فأسلَمَ، وقُتل عنها عكرمة (عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه الذي استشهد في موقعة أجنادين)، فتزوَّجها خالد بن سعيد، فلمَّا نزل المسلمون مَرْجَ الصُّفَّرِ عند دمشق، أراد خالد أن يعرس بها، فقالت: لو تأخَّرت حتى يهزم الله هذه الجموع؟ فقال: إن نفسي تحدِّثني أني أُقتل، فقالت: فدونك، فأعرس بها عند القنطرة التي بالصفر، فبها سمِّيَت قنطرة أم حكيم، وأولَمَ عليها، فما فرغوا من الطعام حتى تقدمت الروم، وقاتلوا وقُتل خالد، وقاتلت أم حكيم يومئذٍ فقَتلتْ سبعة بعمود الفسطاط الذي عرس بها خالد فيه[1].
4 - السيدة أم سُليم بنة ملحان: قال ابن إسحاق: وحدثني عبدالله بن أبي بكر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم التفت فرأى أم سليم بنة ملحان، وكانت مع زوجها أبي طلحة وهي حازمة وسطها ببرد لها، وإنها لحامل بعبدالله بن أبي طلحة، ومعها جمل أبي طلحة، وقد خشيت أن يعزها الجمل[2]، فأدنت رأسه منها، فأدخلت يدها في خزامته[3] مع الخطام، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أم سليم؟))، قلت: نعم، بأبي أنت وأمي يا رسول الله، اقتل هؤلاء الذين ينهزمون عنك كما تقتل الذين يقاتلونك؛ فإنهم لذلك أهل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أو يكفي الله يا أم سليم؟))، قال: ومعها خَنجر، فقال لها أبو طلحة: ما هذا الخنجر معك يا أم سليم؟ قالت: خنجر أخذتُه، إن دنا مني أحد من المشركين بعجته به[4]، قال: يقول أبو طلحة: ألا تسمع يا رسول الله ما تقول أم سليم الرميصاء؟[5].
• ونكتفي بهذه الأمثلة؛ لأن الأمثلة في هذا المجال أكثر من أن تُحصى.
رابعًا: بعض النماذج النسائية الخالدة من حياة التابعين:
إن مدرسة النبوَّة قد خرَّجتْ نماذج فذَّة من النساء كن قدوات لمن بعدهن من نساء التابعين اللاتي سرن على الدرب دون تبديل أو تغيير، نذكر من هذه النماذج:
1 - زينب بنت أحمد بن عبدالرحيم؛ حيث كانت امرأة ذات قدم راسخة في العلم والحديث.
2 - عائشة بنت محمد بن المسلم الحرانية؛ كان لها مجلس علم بالمسجد يتردد عليه كبار علماء زمانها.
4 - زينب بنت سليمان بن إبراهيم؛ أخذ العلمَ عنها "تقي الدين السبكي".
5 - زينب بنت عبدالله بن عبدالحليم بن تيمية؛ هي التي أجازت "ابن حجر العسقلاني".
6 - فاطمة بنت محمد بن أحمد السمرقندي؛ "كان لها مكانة عالية في الفقه والفتوى، وألفت عددًا من الكتب، وكان الملك العادل "نور الدين محمود" يستشيرها في بعض أمور الدولة الداخلية، ويسألها في بعض المسائل الفقهية".
7 - أم هانئ بنت الهوريني، تعلم النحو على يديها "جلال الدين السيوطي"، ولقَّبها بالمسنِدة.
8 - عائشة الباعونية، كانت من الصوفيات والشاعرات المجيدات، وكان لها عدد من المُصنفات والدواوين والقصائد الصوفية.
• وما تمَّ ذكره، مجرد أمثلة من أعداد غفيرة ملأن الدنيا علمًا يُضارع علوم رجال زمانهن.
• حقيقة إن النماذج في ذاكرة التاريخ مُتلاحقة ومُتزاحمة، وما تمَّ ذكره ما هو إلا للتذكرة وللاقتداء والتأسِّي، وهناك غيرهن كثيرات في كلِّ المجالات إلى يومنا هذا.
أيتها الأخت الكريمة: إن هذه النماذج نساء مثلك ملأ الله تعالى قلوبهنَّ حُبًّا وحنانًا وعاطفةً للزوج والولد والألفة والأمن والاستقرار، ولكنهن وضعن كل ذلك في كفَّة ودين الله وجنَّته ورضاه في الكفة الأخرى، فلم يندفعن وراء العاطفة ووراء تخذيل الشيطان؛ بل حكَّمن العقلَ، واخترن النعيمَ الأبدي على الدنيا الفانية.
أيتها الأخت الكريمة: إن لك دورًا مُهمًّا وعظيمًا، فيجب عليكِ أن تنهضي وتؤدي دورك الواجب عليك في الحرب الدائرة ضد الإسلام، فلم ينتصر الإسلام في عصوره الزاهية على الدول التي كانت أكثر من المسلمين عدَّة وعددًا ومالًا، إلا لما كانت المرأة على قدر المسؤولية.
• فالمرأة هي التي تربِّي أولادها على الجهاد.
• والمرأة هي التي تحفظ الرجلَ في عرضه وماله إذا خرج إلى الجهاد.
• والمرأة هي التي تصبِر وتُصبِّر أولادها وزوجَها على مواصلة طريق الجهاد.
أيتها الأخت الكريمة: لو أن غيابك عن حضور الصِّراع اليوم هو غيابك وحدك، لكان الأمر هينًا، فلنا في الرجل عوض! ولكنك اليوم إذا غبتِ عن حضور الصراع أو الإعداد له، فإن الأمة كلها تغيب معك.
• فمن تربِّي الشباب؟
• ومن تقف وراء الرجال؟
• ومن تعدُّ أمهات الجيل القادم ليكملن الطريق بعدك؟
أيتها الأخت الكريمة: إنَّ ما يطلب منك اليوم ليس نافلة؛ بل فرض سبقك إليه الكثيرات على مرِّ العصور، فلقد دخلت المرأة ميدان المعركة في قرون الإسلام الأولى ليس ذلك بسبب قلَّة الرجال وقتها، ولكن بسبب حبها للأجر والفداء والتضحية في سبيل الله.