دروس في الصبر تقدمها صحابيات حول الرسول
كانت غزوة أحدٍ أوَّل معركة في الإسلام تشارك فيها نساءُ المسلمين، وقد ظهرت بطولاتُ الـنِّساء، وصدق إيمانهنَّ في هذه المعركـة، فقد خرجن لكي يسقين العطشى، ويداوين الجرحى، ومنهنَّ مَنْ قامت بردِّ ضربات المشركين المُوَجَّهة للرَّسول(ﷺ) ، وممَّن شاركن في غزوة أحدٍ: أمُّ المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصِّدِّيق، وأمُّ عمارة، وحَمْنَة بنت جَحْشٍ الأسديَّة، وأمُّ سَلِيط، وأمُّ سُلَيْم، ونسوةٌ من الأنصار. [مسلم (1809 و1810 و1811)].
قال ثعلبة بن أبي مالكٍ رضي الله عنه: إنَّ عمر بن الخطاب قَسَمَ مُرُوطاً بين نساءٍ من نساء أهل المدينة، فبقي منها مِرطٌ جيِّدٌ، فقال له بعض مَنْ عنده: يا أمير المؤمنين! أعطِ هذا بنت رسول الله الَّتي عندك – يريدون أمَّ كلثوم بنتَ عليٍّ – فقال عمر رضي الله عنه: أم سَليط أحقُّ به. وأمُّ سليط من نساء الأنصار مِمَّن بايع رسولَ الله(ﷺ) . قال عمر: فإنها كانت تُزْفِرُ لنا القِرَبَ يوم أُحدٍ. [البخاري (2881، 4071)].
وقد سطرت النساء في هذه الغزوة أروع صور التفاني في نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ظهرت بعض المواقف العظيمة في صبرهم على ما أصابهم في سبيل الله تعالى سطرتها لنا كتب السيرة النبوية نذكر منها خمسة:
اقرأ أيضا:
الأحاديث الأربعون الفلسطينية
التكامل الإنساني في محمد صلى الله عليه وسلم (2)
أ – صفية بنت عبد المطَّلب رضي الله عنها:
لـمَّا استُشهد أخوها حمزةُ بن عبد المطَّلب رضي الله عنه في أُحدٍ، وجاءت لتنظر إليه؛ وقد مَثَّلَ به المشركون، فجدعوا أنفه، وبقروا بطنه، وقطعوا أذنيه، ومذاكيره، فقال رسول الله(ﷺ) لابنها الزُّبير بن العوَّام: «الْقَها، فأَرْجعها؛ لا ترى ما بأخيها» فقال لها: يا أُمَّه! إنَّ رسول الله(ﷺ) يأمرك أن ترجعي، قالت: ولِمَ؟ وقد بلغني: أنَّه قد مُثِّلَ بأخي، وذلك في الله، فما أرضانا بما كان من ذلك! لأحتسبنَّ، ولأصبرنَّ إن شاء الله.
فلـمَّا جاء الزُّبير بن العوَّام رضي الله عنه إلى رسول الله(ﷺ) فأخبره بذلك، قال: «خَلِّ سبيلها» فأتته، فنظرت إليه، فصلَّت عليه، واسترجعت، واستغفرت له. [سبق تخريجه].
ب – حَمْنَةُ بنت جحش رضي الله عنها:
لـمَّا فرغ رسول الله(ﷺ) من دفن أصحابه رضي الله عنهم، ركب فرسه، وخرج المسلمون حوله راجعين إلى المدينة، فلقيته حَمْنَةُ بنت جحشٍ، فقال لها رسول الله(ﷺ) : يا حمنةُ! احتسبي! قالت: مَنْ يا رسول الله؟! قال: أخاك عبدَ الله بن جحشٍ، فاسترجعت، واستغفرت له، ثمَّ قال لها رسولُ الله(ﷺ) : احتسبي! فقالت: مَنْ يا رسول الله؟! قال: خالك حمزة بن عبد المطَّلب، قالت: إنا لله وإنا إليه راجعون، غفر الله له، هنيئاً له الشهادة. ثمَّ قال لها: احتسبي ! قالت: مَنْ يا رسول الله؟ قال: زوجُك مصعب بـن عُمَيْرٍ، قالت: واحزنـاه !
وصاحت، ووَلْوَلَتْ. فقال رسول الله(ﷺ) : «إنَّ زوج المرأة منها لبمكانٍ»؛ لمَا رأى من تَثَبُّتِها عند أخيها، وخالها، وصياحها على زوجها. [ابن ماجه (1590)، والطبري في تاريخه (2/532)، والبيهقي في الدلائل (3/301)، وابن هشام (3/104)]. ثمَّ قال لها: ولِمَ قلتِ هذا؟ قالت: يا رسول الله! ذكرت يُتْمَ بنيه، فراعني، فدعا لها رسول الله(ﷺ) ، ولوَلدِها أن يحسن الله تعالى عليهم من الخَلَفِ، فتزوَّجت طلحةَ بن عبيد الله، فولدت منه محمَّداً، وعمران، وكان محمَّد بن طلحة أوصل النَّاس لولدها.
ج – المرأة الدِّينارية رضي الله عنها:
قال سعد بن أبي وقَّاصٍ رضي الله عنه: مرَّ رسول الله(ﷺ) بامرأةٍ من بني دينار، وقد أُصيب زوجُها، وأخوها، وأبوها مع رسول الله(ﷺ) بأُحدٍ، فلـمَّا نُعُوا لها؛ قالت: فما فعل رسولُ الله(ﷺ) ؟ قالوا: خيراً يا أمَّ فلان! هو بحمد الله كما تحبِّين، قالت: أَرُونيه حتَّى أنظرَ إليه، فأُشير لها إليه، حتَّى إذا رأته؛ قالت: كلُّ مصيبةٍ بعدَك جَلَلٌ. [الواقدي في المغازي (1/292)، والطبري في تاريخه (2/533)، والبيهقي في الدلائل (2/302)، وابن هشام (3/105)].
ـ تريد: صغيرةٌ -. وهكذا يفعل الإيمان في نفوس المسلمين!
د – أمُّ سعد بن مُعاذٍ، وهي كبشةُ بنت عبيد الخزرجيَّة رضي الله عنها:
خرجت أمُّ سعد بن معاذ تعدو نحو رسولِ الله(ﷺ) ، ورسولُ الله(ﷺ) واقفٌ على فرسه، وسعد بن معاذ اخذٌ بعنَانِ فرسه، فقال سعد: يا رسول الله! أمِّي! فقال رسول الله(ﷺ) : مرحباً بها، فدنت حتَّى تأمَّلت رسولَ الله، فقالت: أما إذ رأيتك سالماً؛ فقد أشوت المصيبة، فعزَّاها رسول الله(ﷺ) بعمرو بن معاذٍ ابنها، ثمَّ قال: يا أمَّ سعد! أبشري، وبشِّري أهليهم: أنَّ قتلاهم قد ترافقوا في الجنَّة جميعاً – وهم اثنا عشر رجلاً – وقد شُفِّعوا في أهليهم. قالت: رضينا يا رسول الله! ومن يبكي عليهم بعد هذا؟! ثمَّ قالت: ادعُ يا رسولَ الله! لمن خُلِّفوا. فقال رسول الله(ﷺ) : « اللّهُمَّ أذهب حُـزن قلوبهم، واجْبُـرْ مصيبتهم، وأحسن الخَلَفَ على من خُلِّفُوا». [مغازي الواقدي (1/315 – 316)].