{{{ما هي ضمة القبر ووحشته؟ وهل المؤمن يفزع من رؤية الملكين في قبره}}}
السؤال
ما هي ضمة القبر ووحشة القبر؟ وهل المؤمن يفزع أو يخاف من رؤية الملكين في قبره؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن ضمة القبر ثبتت في الأحاديث الصحيحة عن نبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنه لا ينجو منها أحد، كما بينا في الفتوى رقم: 18370، ولكنها تختلف باختلاف الناس؛ فالكافر، والفاجر، والمنافق، والشاكّ تشتد عليه حتى تختلف أضلاعه، وهي متفاوتة على المؤمنين بحسب أعمالهم؛ فتكون على المطيع كضمة الوالدة ولدها، وتشتد على العاصي بحسب عصيانه، كما جاء في بعض الآثار، قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- في لقاءات الباب المفتوح: ضمة الأرض للمؤمن، ضمة رحمة، وشفقة، كالأم تضم ولدها إلى صدرها. أما ضمتها للكافر، فهي ضمة عذاب -والعياذ بالله-. انتهى.
وأما وحشة القبر: فإن الذي يؤنس منها، ويزيلها هو العمل الصالح؛ فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال عن العبد المؤمن إذا وضع في قبره، وفرغت الملائكة من سؤاله: وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ، حَسَنُ الثِّيَابِ، طَيِّبُ الرِّيحِ، فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُرُّكَ، هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتُ تُوعَدُ، فَيَقُولُ: وَمَنْ أَنْتَ؟ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ الَّذِي يَجِيءُ بِالْخَيْرِ، فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ... الحديث. رواه أحمد، وغيره.
وأما عن خوف المؤمن من الملكين عند وضعه في قبره: فلم نقف له على نص بخصوصه، ولكن ورد أن الله تعالى يثبته عند السؤال؛ فقد قال الله تعالى: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ {إبراهيم:27}، جاء في شرح زروق على الرسالة: يعني بالشهادة عند الموت، وفي الآخرة عند السؤال من الملكين؛ لأن القبر أول منزلة من منازل الآخرة. اهـ.
وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ {فصلت:30}، قال أهل التفسير: يُبشر بذلك عند موته، وفي قبره.
جاء في تفسير الطبري: تهبط عليهم الملائكة عند نزول الموت، وروى بسنده عن مجاهد، أن معنى الآية: لا تخافوا ما تقدمون عليه من أمر الآخرة، ولا تحزنوا على ما خلفتم من دنياكم من أهل، وولد، فإنا نخلفكم في ذلك كله. اهـ.
وفي تفسير القرطبي لهذه الآية: تنزل عليهم الملائكة عند الاحتضار تثبتهم، وتبشرهم بالجنة. اهـ.
وهذا ما بينه رسول الله صلى الله عليه بيانًا شافيًا؛ ففي المسند، وغيره، من حديث البراء بن عازب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا، وإقبال من الآخرة، نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه، كأن وجوههم الشمس، معهم كفن من أكفان الجنة، وحنوط من حنوط الجنة، حتى يجلسوا منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت عليه السلام، حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الطيبة، اخرجي إلى مغفرة من الله، ورضوان. قال: فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء، فيأخذها، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها، فيجعلوها في ذلك الكفن، وفي ذلك الحنوط، ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض. قال: فيصعدون بها، فلا يمرون -يعني بها- على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الطيب؟ فيقولون: فلان بن فلان، بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا، حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا، فيستفتحون له، فيفتح لهم، فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها حتى ينتهى به إلى السماء السابعة، فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في عليين، وأعيدوه إلى الأرض، فإني منها خلقتهم، وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى. قال: فتعاد روحه في جسده، فيأتيه ملكان، فيجلسانه، فيقولان له: من ربك؟ فيقول: ربي الله. فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقولان له: وما علمك؟ فيقول: قرأت كتاب الله، فآمنت به، وصدقت، فينادي مناد في السماء: أن صدق عبدي، فافرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له بابًا إلى الجنة. قال: فيأتيه من روحها، وطيبها، ويفسح له في قبره مد بصره. قال: ويأتيه رجل حسن الوجه، حسن الثياب، طيب الريح. فيقول: أبشر بالذي يسرك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول له: من أنت؟ فوجهك الوجه يجيء بالخير، فيقول: أنا عملك الصالح، فيقول: رب أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي، ومالي ..الحديث.
وظاهر هذه البشرى، وهذا التثبيت عند السؤال يقتضي -والله أعلم- أن المؤمن المخلص العامل بطاعة الله تعالى، لا يفزع، ولا يخاف عند سؤال الملكين.
والله أعلم.