سيد درويش البحر»
17 مارس 1892 - 15 سبتمبر 1923
، وبعد ثلاثة أيام، ذكرى رحيله الـ 99؟.
؛؛
مولده؛
فى «كوم الدكة»، عند «البحر»، كان مولده. ومن طباع «البحر»، أخذ النفور من الطاعة والرتابة والتقليد.
ولأنه ابن «البحر» الوفى، كان لابد أن يحدث ثورة، فى الموسيقى العربية، شكلا، ومضمونا.
ألحانه برائحة الخير، تحرك أجمل وأنبل العواطف، تطير بنا إلى آفاق حرة تدهشنا، تزيل الجلد الميت الملتصق بأجسادنا، تحرضنا على مقاومة كل حصارات «النشاز». حالة عقلية وجدانية تنظفنا، تطهرنا، تقوينا، وتبهجنا، ومعها نكتشف الموسيقى داخلنا.
لم يخاصم التطريب، والارتجال، والزخارف، لكنه التزم بالتعبير البسيط عن اللحن.
قلب المسرح الغنائى رأسا على عقب، وجدد فى جميع ألوان وقوالب الغِناء، الموشح والدور والطقطوقة والمونولوج والنشيد الوطنى، والنشيد الشعبى غير المصاحب بالآلات الموسيقية (الأهزوجة).
كانت شهرزاد 1920، تأليف بيرم التونسى 23 مارس 1893 - 5 يناير 1961، البداية التى أحدثت انقلابا فى تلحين الأوبريت. تنافست الفرق المسرحية المرموقة فى جعله بطلا لأعمالها، مثل فرقة الريحانى، وجورج أبيض، وعلى الكسار وأولاد عكاشة ومنيرة المهدية.
امتزجت ألحانه بالروح الوطنية المتمردة، وأول منْ غنى للمرأة يحرضها على النهوض: «ده وقتك ده يومك يا بنت اليوم قومى اصحى من نومك بزياداكى نوم».
مع بديع خيرى 17 أغسطس 1893- 1 فبراير 1966، كون ثنائيا متناغما فى الكثير من الأغنيات بكافة أشكالها وقوالبها. وكذلك كان الأمر بينه وبين «يونس القاضى» 1 يوليو 1888- 1969، انسجام ثرى فى الفكر والمشاعر.
غنى لكل الفئات والشرائح، والطوائف والمهن. أدخل الموسيقى الكنسية فى نسيج اللحن.
عشق الموسيقى الايطالية، خاصة الأوبرا. وكان أول منْ استخدم آلات الأوركسترا الغربية فى الموسيقى العربية، وكان أول منْ أدخل الغناء البوليفونى (تعدد الأصوات). خلع الجبة والقفطان، ليصبح الشيخ المودرن، المزروع فى الأرض المصرية، العصرى فى رؤيته.
سئل سيد درويش عن إنتاجه الغزير المتدفق المدهش، وفى وقت قصير، فقال:
«وأقدر ألحن الجورنال».
آمن سيد درويش بأن «الغِناء للجميع» مثل الخبز والماء والهواء والحرية، لا أحد يحتكر الغِناء، ولا أحد يحتكر الوطن.
فى سنة 1923 كان ينهى تلحين نشيد وطنى لطالبات المدارس، احتفالا بعودة سعد زغلول 1 يوليو 1859 - 23 أغسطس 1927، من المنفى، يقول: «مصرنا وطننا، سعدها أملنا»، تأليف بديع خيرى.
وفعلا، عاد سعد زغلول من المنفى، وغنت له الطالبات نشيد الاستقبال. وفى وسط المشاعر الوطنية المتأججة، لم يكترث أحد بجنازة يمشى فيها أربعة أشخاص فقط. وكانت جنازة الشيخ سيد درويش.
من إبداعاته التى أعشقها: «أنا هويت وانتهيت»، «والله تستاهل يا قلبى»، «ضيعت مستقبل حياتى»، «على قد الليل ما يطول»، «قوم يا مصرى»، «سالمة يا سلامة»، «شد الحزام على وسطك»، «القلل القناوى»، «أنا المصرى»، «أنا عشقت»، «فى شرع مين»، «هز الهلال»، «يقطع فلان على علان».
أما أغنية «أهو ده اللى صار»، و«زورونى كل سنة مرة»، فلا أعرف كيف تدفقت موسيقاهما على خيال الشيخ سيد. اللحن الأول تأليف بديع خيرى، يشد معه أحبالى الصوتية، أغنى بكل طاقتى المتشبثة بنفسى، بالخير، وبوطن حر، وتنساب الدموع. أما اللحن الثانى تأليف يونس القاضى، فإنه يفجر بكاء دون قطرة دمع واحدة. وما أصعب هذا البكاء الكامن تحت الضلوع.
سيد درويش، لا يقل عن نوابغ الموسيقيين فى التاريخ الموسيقى الغربى، بدءا بالعصور الوسطى المنتهية سنة 1500، مرورا بعصر النهضة وعصر الباروك، ثم العصر الكلاسيكى ثم العصر الرومانسى المنتهى سنة 1900، مثل باخ، هاندل، فيفالدى، بتهوفن، هايدن، شوبرت، موتسارت، شوبان، ليست، مندلسون، كورساكوف، شتراوس، فاجنر، تشايكوفسكى.
نقف إجلالا لنشيد السلام الوطنى المصرى «بلادى بلادى» تأليف «يونس القاضى»، وأفكر أننا فى اللحظة نفسها نقف إجلالا لمنْ أبدع موسيقاه، الشيخ سيد درويش البحر، الخالد لا نهائى الامتداد، تماما مثل «البحر».
ختامه شِعر:
أنا الآمرة
لا المأمورة
أنا المالكة
لا المملوكة
أنا الساحرة
لست المسحورة
أحب فضح
الخفايا المستورة
أصنع المستحيل
لست قارورة
ليس على رأسى بطحة
ولا عينى مكسورة
وديعة أنا
متوحشة عند الضرورة
فيلسوفة وقورة
وأحيانا أتبختر كالسنيورة
أنتظر حضارة المطر
أرقص على إيقاعات الألم
وأغنى منطلقة كما الشحرورة
؛؛