من آداب الصيام
أن يقول الصائم إذا شتم أو سب: إني صائم
يُسن للصائم إن سابَّه أو قاتله أو شتمه أحدٌ أن يقول: "إِنِّي صَائِمٌ"، فحينما يشتم أو يسب الصائم لا يرد الإساءة بمثلها، ولكنه يدفع بالتي هي أحسن، فلا يقول إلا خيرًا؛ كقوله: "إِنِّي صَائِمٌ".
كما مر بنا في الأحاديث السابقة، وثبت أيضًا في صحيح البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ رضي الله عنه قَالَ: "الصِّيَامُ جُنَّةٌ إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ صَائِمًا فَلَا يَرْفُثْ، وَلَا يَجْهَلْ، فَإِنْ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ، أَوْ شَاتَمَهُ، فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ، إِنِّي صَائِمٌ".
وأخرج الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا تَسَابَّ[1] وَأَنْتَ صَائِمٌ، وَإِنْ سَابَّكَ أَحَدٌ فَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ، وَإِنْ كُنْتَ قَائِمًا فَاجْلِسْ[2]"؛ (صحيح الترغيب: 1082).
وفي رواية: "لا تُسابَّ وأنتَ صائمٌ، فإنْ سَبَّكَ إنسانٌ؛ فقلْ: إنِّي صائمٌ"؛ (قال الشيخ شعيب الأرنؤوط: حديث صحيح).
وأخرج الإمام أحمد ابن ماجه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ، فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ، فَإِنْ جَهِلَ عَلَيْهِ أَحَدٌ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ"؛ (قال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح).
قال الشافعي رحمه الله: "وأُحب له أن ينزِّه صيامه عن اللغط والمشاتمة، وإن شوتِم أن يقول: أنا صائم، وإن شاتم: لم يفطره"؛ (الأم للشافعي :2/ 111).
ويُستحب أن يجهر بقوله: "إني صائم"، وذلك لفائدتين:
الأولى: ليعلم الشاتم أنه لم يقابله بالإساءة لا لعجزه، ولكن لكونه صائم.
الثانية: ليذكر الشاتم أن الصائم لا يشتم أحدًا، ولعل هذا يكون رادعًا له عن الشتم فلا يشتم.
قال الخطابي رحمه الله في معالم السنن 2/ 108: قوله صلى الله عليه وسلم: "فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ"، يُتأَوَّل على وجهين: أحدهما: فليقل ذلك لصاحبه نطقًا باللسان يردُّه بذلك عن نفسه، والوجه الآخر: أن يقول ذلك في نفسه؛ أي ليعلم أنه صائم، فلا يخوض معه، ولا يكافئه على شتمه؛ لئلا يُفسد صومه ولا يُحبط أجر عمله.
وقال ابن عبد البر رحمه الله في كتابه الاستذكار: 3/ 374: وأما قوله: "فَإِنْ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ، فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ"، ففيه قولان: أحدهما: أن يقول الذي يريد مشاتمته ومقاتلته: إني صائم وصومي يمنعني من مجاوبتك؛ لأني أصون صومي عن الخنا والزور، والمعنى في المقاتلة: مقاتلته بلسانه.
والمعنى الثاني: أن الصائم يقول في نفسه: إني صائم يا نفسي، فلا سبيل إلى شفاء غيظك بالمشاتمة، ولا يعلن بقوله: "إني صائم" لِما فيه من الرياء واطلاع الناس عليه؛ لأن الصوم من العمل الذي لا يظهر، وكذلك يجزئ الله الصائم أجره بغير حساب".
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: وقوله: "فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ"، هل يقولها سرًّا أو جهرًا؟ قال بعض العلماء: يقولها سرًّا، وقال بعض العلماء: جهرًا، وفصل بعض العلماء: بين الفرض والنفل، فقال: في الفرض يقولها جهرًا لبعده عن الرياء، وفي النفل يقولها سرًّا خوفًا من الرياء، والصحيح: أنه يقولها جهرًا في صوم النافلة والفريضة؛ لأن فيه فائدتين: الفائدة الأولى: بيان أن المشتوم لم يترك مقابلة الشاتم إلا لكونه صائمًا لا لعجزه عن المقابلة؛ لأنه لو تركه عجزًا عن المقابلة لاستهان به الآخر، وصار في ذلك ذلٌّ له، فإذا قال: إني صائم كأنه يقول: أنا لا أعجِز عن مقابلتك، وأن أبيِّن من عيوبك أكثر مما بيَّنت من عيوبي، لكني امرؤ صائم، الفائدة الثانية: تذكير هذا الرجل بأن الصائم لا يشاتم أحدًا، وربما يكون هذا الشاتم صائمًا كما لو كان ذلك في رمضان، وكلاهما في الحضر سواء، حتى يكون قوله هذا متضمنًا لنهيه عن الشتم وتوبيخه عليه"؛ (انظر: الشرح الممتع على زاد المستقنع لابن عثيمين :6/ 432).
[1] لا تَسابَّ وأنتَ صائِمٌ أي: لا تَتَسابَّ واحفَظْ لِسانَك عن السِّبابِ أو الكلامِ الفاحِشِ وأنتَ صائِمٌ.
[2] وإنْ كُنتَ قائِمًا فاجْلِسْ"، المقصودُ: أنْ يُغيِّرَ مِن وَضعِه ويتحوَّلَ إلى وضعٍ آخَرَ أكثرَ هُدوءًا وطُمَأنينةً؛ لأنَّ القائمَ الواقفَ أكثرُ استِعدادًا للبَطشِ والتَّمادي في الغَضبِ، وأمَّا القاعدُ فهوَ أقلُّ حرَكةً وأقلُّ بَطشًا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ