من آداب الصيام
لا بأس للصائم أن يتسوك في نهار رمضان
والسِّواكُ هو: عُودٌ مِن شَجَرةِ الأَراكِ، يُسْتَخْدَمُ لتَنْظيفِ الفَمِ والأسْنانِ، وله رائِحةٌ طَيِّبةٌ تُطَيِّبُ الفَمَ، وقد ورد ما يدل على مشروعية التسوك للصائم في أثناء النهار (أوله وآخره)، فقد أخرج الترمذي من حديث عامر بن ربيعة رضي الله عنه قال: "رأيتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم ما لا أُحْصِي يَتَسَوَّكُ وَهُوَ صَائِمٌ"، وهذا قول أكثر أهل العلم.
وكره بعض الفقهاء (الحنابلة والشافعية) السواك للصائم بعد الزوال، ولعل دليلهم الحديث الذي أخرجه الدارقطني والبيهقي عن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا صمتم فاستاكوا بالغداة، ولا تستاكوا بالعَشِيِّ[1]،فإنه ليس من صائم يَبِست شفتاه بالعشي إلا كان نورًا بين عينيه يوم القيامة"؛ (حديث ضعيف).
كما استدلوا بحديث أبي هريرة رضي الله عنه وفيه: "ولَخُلُوفُ فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك".
ووجه الدلالة عندهم أن الخُلوف هو الرائحة الكريهة التي تكون بالفم عند خلو المعدة من الطعام، وهو لا يظهر في الغالب إلا في آخر النهار، فإذا كان محبوبًا لله تعالى كان ممدوحًا شرعًا؛ لأنه ناشئ عن طاعته، فلا ينبغي أن يزال بالسواك، والصحيح أنه لا يكره استخدام السواك في أثناء النهار للصائم؛ لأن الحديث السابق (حديث خباب) رضي الله عنه الذي استدلوا به على كراهية السواك للصائم بعد الزوال - حديث ضعيف لا يصح العمل به، وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه السابق، فهذا ليس فيه دليلٌ على ما ذهبوا إليه؛ لأن الخُلوف الذي يخرج من فم الصائم ينبعث من المعدة بسبب خلوها من الطعام، وليس مصدره الفم أو الأسنان، وهذا لا يزول بالسواك، أضف لهذا أن الخُلوف (الرائحة الكريهة في مشام الناس) محبوب عند الله، وليس المحبوب عند الله تركَ الوسخ في الفم والأسنان.
ومما يدل على استخدام السواك في أي وقت من النهار: ما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لولا أن أَشُقَّ على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة"، وفي رواية: "عند كل وضوء"، وهذا الحديث دليلٌ على تأكيد السواك عند كل صلاة، فريضة كانت أو نافلة، لا فرق في ذلك بين الصائم وغيره، في أول النهار وفي آخره، ليدخل المصلي في العبادة على أحسن هيئة وأطيب رائحة.
قال ابن عبد البر رحمه الله في "التمهيد 7/ 198" في الحديث السابق: "في هذا الحديث إباحة السواك في كل الأوقات، لقوله صلى الله عليه وسلم: "عند كل صلاة، وعند كل وضوء"، والصلاة تجب في أكثر الساعات بالعشي والهجير والغدوات"؛ اهـ.
أضف لذلك الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد والنسائي عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "السواك مَطْهَرَةٌ للفم مرضاة للرب"، وهذا عام يشمل المفطر والصائم، فيجب العمل به على عمومه حتى يثبت تخصيصه، وليس لهذا العموم مخصِّص صحيح.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "لم يقُم على كراهة السواك بعد الزوال دليلٌ شرعي يصلح أن يخصِّص عمومات نصوص السواك"؛ (مجموع الفتاوى: 25/ 266).
وقال ابن العربي رحمه الله: "قال علماؤنا: لم يصحَّ في سواك الصائم حديث نفيًا ولا إثباتًا[2]، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم حَضَّ عليه عند كل وضوء وعند كل صلاة مطلقًا من غير تفريق بين صائم وغيره، ونَدَبَ يوم الجمعة إلى السواك، ولم يفرِّق بين صائم وغيره، وقد قدمنا فوائده العشرة في الطهارة، والصوم أحقُّ بها؛ (عارضة الأحوذي: 3/ 256).
ومما يدل على استخدام السواك أثناء النهار للصائم: ما رواه الطبراني عن عبدالرحمن بن غَنْم - بفتح المعجمة وسكون النون - قال: سألت معاذ بن جبل رضي الله عنه: أتسوَّك وأنا صائم؟قال: نعم، قلت: أي النهار أتسوك؟ قال: أي النهار شئت، إن شئت غدوة، وإن شئت عشية، قلت: إن الناس يكرهونه عشية، قال: ولِمَ؟ قلت: يقولون: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لخلوف فم الصائم أطيبُ عند الله من ريح المسك"، فقال: سبحان الله، لقد أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسواك حين أمرهم وهو يعلم أنه لا بد أن يكون بفم الصائم خلوف وإن استاك، وما كان بالذي يأمرهم أن ينتنوا أفواههم عمدًا، ما في ذلك من الخير شيء، بل فيه شر"؛ (قال الحافظ في "التلخيص: 2/ 214: إسناده جيد).
تنبيهان:
1- يتجنب السواك الذي أُضيف إليه طعم خارج عنه؛ كطعم الليمون أو النعناع، أو السواك الذي فيه مادة تتحلل كالسواك الأخضر، أو السواك الذي يتفتت ويدخل منه ما تفتت داخل الفم، ولا يجوز تعمُّد ابتلاعه، فإذا ابتلاعه بغير قصد فلا شيء عليه.
2- لا فارق بين السواك اليابس والرطب؛ لأنه لم يأت نص صحيح في التفريق بين يابس السواك ورطبه، وجاء رجل إلى ابن سيرين رحمه الله يسأله عن السواك الرطب للصائم، فقال: لا بأس به، فقال الرجل: إنه جريدة وله طعمٌ، فقال ابن سيرين: الماء له طعم وأنت تتمضمض"؛ (رواه ابن أبي شيبة).
وقال ابن علية رحمه الله: "السواك سنةٌ للصائم والمفطر، والرطب واليابس سواء"؛ (التمهيد لابن عبدالبر، 7/ 199).
[1] العَشِيُّ: آخر النهار من الزوال إلى المغرب.
[2] مر بنا حديث عامر بن ربيعة رضي الله عنه قال: "رأيتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم ما لا أُحصي يتسَوَّكُ وَهوَ صائمٌ"..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ