ما لا تعرفه عن هاروت وماروت وسحرهما
قد يتعرض بعض الناس لمشكلات في حياتهم لا يعرفون لها حلًا، فيوحي إليهم البعض أن يلجأوا للسحر لحلها، وهذا بالطبع تفكير خاطئ، فقد جاء بيان مفصل وموضح في كتاب الله عن أحوال السحر ابتداء من حكم تعليمه للناس، وحكم من أراد تعلمه، بأن السحر معدوم الفائدة مطلقًا، وأن السحرة لهم وعيد في الآخرة.
والسحر في اللغة، هو كل أمر يخفى سببه، ويتخيل على غير حقيقته، ويجري مجرى التمويه والخداع، وأصل السحر هو صرف الشيء عن حقيقته إلى غيره، فكأن الساحر لما أدى الباطل في صورة الحق وخيل الشيء على غير حقيقته، فقد سحر الشيء عن وجهه أي صرفه.
وكمصطلح، فإن السحر هو المخادعة والتخييل الذي قد يكون على هيئة عزائم ورقى وعقد تؤثر في الأبدان والقلوب، فتمرضها، وقد تفرق بين المرء وزوجه.
هاروت وماروت
ومن أشهر ما ذكر من القصص عن السحر قصة الملكين هاروت وماروت، وقد جاءت في القرآن الكريم تحديدًا في سورة البقرة: ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنْ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾.
وتقول القصة: إنه عندما نبذ اليهود كتابهم واتجهوا إلى السحر والشعوذة في زمن الملك سليمان عليه السلام، كانتِ الشياطين التي تعاونهم على السحر تصعدُ إلى الفضاءِ فتصلُ إلى السحابِ والغمام لتسترق السمعَ وتنقل أخبار الملائكة وأحاديثهم إلى كهنَتهم الكافرين، الذين يزعمون بأنهم يعلمون الغيبَ ويُخبرونهم بالمستقبل، ثمّ يقوم الكهنة بإدخال الكذبَ في أخبارهم وتدوينها في كتب حتى صاروا يقرأونها ويعلّمونها للناس، الذين ظنوا أنّ الجن والشياطين تعلم الغيب، فصاروا يقولون إنّ علم سليمان أيضاً لم يكتمل إلا بمساندتهم.
وقتها أنزل الله الملكين هاروت وماروت في أرض بابل ليُعلما الناس السحر، لعدة أسباب كان أهمّها هو كسر احتكار الكهنة لهذا العلم، وأيضًا جاءا ابتلاءً من الله لهم، ثم للتمييز بين السحر والمعجزة ومعرفة الفرق بين كلام الأنبياء عليهم السلام وكلام السحرة.
فنجد أن هاروت وماروت لم يُعلِّما أحدًا عِلمهما إلا نصحاه وقالا له: إنّنا ابتلاء من الله، وإنّ من تعلم علمنا واعتقده وعمل به فهو كافر خسر آخرته، ومن تعلَّمه ولم يمارسه فتوفي ثابتًا على الإيمان، جزاه الله بصبره على المعصية.
فتعلّم الناس السحر من هاروت وماروت، وكان مما فيه القدرة على التفريق بين الزوجين بإذن الله، باستخدام السحر، وتسخير السحر للإضرار بالناس، فيتعلّم الناس ما يضرهم ويضر غيرهم، ولا ينفعهم بشيء في الآخرة، ولكن لا يستطيعوا أن يضروا أحدًا إلا بإذنه سبحانه وتعالى؛ لأن السحر لا يؤثر بنفسه، بل بأمر الله ومشيئته بخلقه.
وقد علم اليهود أن من يستبدل ما تتلوه الشياطين بكلام الله سبحانه لا يكون له نصيب من الجنة، وقد اختار اليهود الانشغال بالسحر، ولبئس ما اختاروا بديلاً لكتاب الله الحق، وفضَلوه على الإيمان، ولو أنّهم آمنوا لكان خيرًا لهم.
اليهود وسليمان
وعن سبب نزول الآية الكريمة التي تبين قصة هاروت وماروت، أنّ اليهود في المدينة سألوا محمدًا صلى الله عليه وسلم عن السحر، ويقال إنّه عندما ذكر سيدنا سليمان في القرآن، قال اليهود إنّ محمدًا يدّعي أنّ ابن داوود كان نبيًا، وهم لا يرونه كذلك، بل هو برأيهم ساحرٌ سخر الجن والشياطين لخدمته كما الكهنة، فنزلت هذه الآية لتكذب أقوالهم ولتبرئ سليمان بن داوود عليهما السلام مما ينسبون إليه من تهم وافتراءات.
هاروت وماروت في التراث القديم
لهاروت وماروت قصة قديمة عرفت قبل أن يوضح القرآن حقيقتهم، تدور القصة حول ملكين هبطا إلى الأرض، بعد أن تساءلت الملائكة لماذا يصبر الله على البشر وهم يقترفون الموبقات، وكان نزول الملكين فأبليا حسناً حتى رأيا امرأة ذات حسنٍ وجمال لم يستطيعا مقاومتها، لكنها كانت من عبدة الأصنام فدعتهما إلى دينها فرفضا، لكن ظلت المرأة تجتاح أفكارهما فقالت لهما أخيرًا إن لهم الخيار فإما أن يقبلا دينها أو يقتلا قتيلاً أو يشربا الخمر، فظنّ الملكان أنّ الخمر أقلّ الشرور، فشربا حتى ثملا، فرآهما إنسان فقتلاه حتى لا يشي بهما، وفي حالتهما تلك اقترفا الزنا أيضًا مع تلك المرأة، فكان أن استيقظا وقد اقترفا المعاصي كلها، فنالا العقاب في الدنيا، وقيل إنّ المرأة قد تعلّمت منهما كلمات فصعدت إلى السماء، لكن الله حولها إلى الزهرة فلم تقبل مع أهل الجنة، ومما يجدر ذكره أنّ هذه القصة ليست صحيحة بالمرة، ولا تمت للقصة القرآنية بصلة.
فيارب فقهنا في ديننا، وأرنا الحقّ حقًا وارزقنا اتباعه، وأرِنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، وقنا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن، واحفظنا من السحر والحسد.