قصص الأنبياء (26): قصة سليمان -عليه السلام- مع هاروت وماروت
في حلقات يومية، وخلال شهر رمضان المبارك، يقدم مصراوي للقارئ الكريم قصص الأنبياء، استنادا لمصادر معتبرة في السيرة والتاريخ الإسلامي، وفي الحلقة السادسة والعشرين يقدم "مصراوي" قصة سليمان -عليه السلام- فورد في: "كتاب" الكامل لابن الأثير: أعطى الله سبحانه وتعالى لسيدنا سليمان عليه السلام مزايا فريدة، وصفات لم توجد في غيره من الأنبياء والرُّسل؛ حيث كان يتولّى الحكم، وقد فهَّمه الله لغة الطير
قصة هاروت وماروت
قالت "دار الإفتاء المصرية"، إن بعض اليهود اتبعوا ما كانت تقرؤه الشياطين على الكهنة من أبواب السحر من عهد سيدنا سليمان – عليه السلام- زاعمين أن سلطانه قام عليه، وكانوا يسكنون مدينة بالعراق تُسمى “بابل” كان فيها الصابئون الذين يعبدون الكواكب، وكان منهم أناس يزاولون السحر، ويدعون الناس إلى الكفر وتقديس الكواكب والشياطين.
قال تعالى: "وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ ۖ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ۚ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ۖ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ۚ وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ ۚ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ۚ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ(102)"، (البقرة).
محاربة الله عز وجل للشر
وأضافت "الإفتاء" أنهم كانوا يسيطرون عليهم بالسحر أيضًا؛ ليحملوهم على عبادتها، ومن رحمة الله -تعالى- أنه لا يذر الشر يسيطر على عباده؛ فسخر رجلين صالحين اسمهما “هاروت وماروت” لتحذير الناس، فكانا لصلاحهما يشبهان الملائكة؛ فلذا أطلق الله عليهما الملكين.
وتابعت "دار الإفتاء": وألقى الله في قلبيهما علم السحر، فكانا يعلمان الناس السحر لكي يتخلصوا بتعلمه من سيطرة السحرة من الصابئة، ويتقوا شرورهم، وكانا يمزجان التعليم بالتحذير، فيقولان لمن يعلمانه: إنما نحن فتنة، أي امتحان من الله تعالى لعباده لينظر: أينتفعون بسحرنا في اتقاء الشر وجلب الخير، أم يسيئون استخدامه في الإضرار بالناس، وإفساد العقائد؟ فهو سلاح ذو حدين، فكما ينفع يضر ويفسد العقيدة، وأشارت "الإفتاء" إلى أن كل نعمة لا تقرب من الله فهي بلية.
نبذ اليهود لكتاب الله
وقال السعدي في تفسيره: أن اليهود لما نبذوا كتاب الله اتبعوا ما تتلوا الشياطين وتختلق من السحر على ملك سليمان حيث أخرجت الشياطين للناس السحر، وزعموا أن سليمان عليه السلام كان يستعمله وبه حصل له الملك العظيم. وهم كذبة في ذلك، فلم يستعمله سليمان، بل نزهه الصادق في قيله: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ} أي: بتعلم السحر، فلم يتعلمه، {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا} بذلك.
{يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} من إضلالهم وحرصهم على إغواء بني آدم، وكذلك اتبع اليهود السحر الذي أنزل على الملكين الكائنين بأرض بابل من أرض العراق، أنزل عليهما السحر امتحانا وابتلاء من الله لعباده فيعلمانهم السحر.
السحر كفر
{وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى} ينصحاه، و{يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} أي: لا تتعلم السحر فإنه كفر، فينهيانه عن السحر، ويخبرانه عن مرتبته، فتعليم الشياطين للسحر على وجه التدليس والإضلال، ونسبته وترويجه إلى من برأه الله منه وهو سليمان عليه السلام، وتعليم الملكين امتحانا مع نصحهما لئلا يكون لهم حجة. فهؤلاء اليهود يتبعون السحر الذي تعلمه الشياطين، والسحر الذي يعلمه الملكان، فتركوا علم الأنبياء والمرسلين وأقبلوا على علم الشياطين، وكل يصبو إلى ما يناسبه.
مفاسد السحر
أضاف السعدي أن للسحر مفاسد فقال تعالى: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} مع أن محبة الزوجين لا تقاس بمحبة غيرهما؛ لأن الله قال في حقهما: {وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً}، وفي هذا دليل على أن السحر له حقيقة، وأنه يضر بإذن الله، أي: بإرادة الله.
وذكر السعدي أن علم السحر مضرة محضة، ليس فيه منفعة لا دينية ولا دنيوية كما يوجد بعض المنافع الدنيوية في بعض المعاصي، كما قال تعالى في الخمر والميسر: {قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا}، فهذا السحر مضرة محضة، فليس له داع أصلا، فالمنهيات كلها إما مضرة محضة، أو شرها أكبر من خيرها، كما أن المأمورات إما مصلحة محضة أو خيرها أكثر من شرها.
{وَلَقَدْ عَلِمُوا} أي: اليهود {لَمَنِ اشْتَرَاهُ} أي: رغب في السحر رغبة المشتري في السلعة.
{مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ} أي: نصيب، بل هو موجب للعقوبة، فلم يكن فعلهم إياه جهلا، ولكنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة.
{وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} علمًا يثمر العمل ما فعلوه.
هاروت وماروتقصص الأنبياءشهر رمضان