بحث عن محمد علي باشا
محمد علي يعد محمد علي باشا مؤسس الدولة المصرية الحديثة، وذلك بسبب إصلاحاته التي قام بها في أرجاء الدولة المصرية بعد استطاعته السيطرة عليها، وكان قد عين من قبل السلطان العثماني واليًا على مصر في أعقاب خروج الحملة الفرنسية في عام 1801م، واستطاع من خلال حنكته ومهارته السياسية التحكم في مفاصل الدولة الهشة في ذلك الوقت واستصدار فرمان بتعيينه خديوي على البلاد، وشملت اصلاحاته مختلف أركان الدولة، حيث قام بتحديث الجيش المصري في فترة قصيرة بالاستعانة بالخبرات الأكاديمية الأوروبية وإرسال الكوادر المصرية في بعثات للتعلم في تلك الدول، إلى جانب تأسيس نظام تعليمي جديد على الطرز الأوروبية وإرسال الطلاب من مختلف التخصصات للدراسة في الجامعات الفرنسية، الأمر الذي أثر في إعادة توجيه الثقافة المصرية بعيدًا عن السيطرة العثمانية، وشملت إصلاحاته كذلك الزراعة التي قللت من تبعية مصر الاقتصادية للدولة العثمانية، إلى جانب تأسيس جهاز الدولة المصري الحديث، الذي كان من ضمن مهامه التعداد السكاني، وفرض نظام ضريبي مختلف، والتجنيد الإجباري، وتطعيم الأطفال، وغيرها من الأنشطة المركزية للدولة التي لا يزال الكثير منها باقٍ إلى اليوم في مصر.[١]
نشأة محمد علي ووصوله للسلطة ولد محمد علي في عام 1769م على وجه التقريب في مدينة كافالا، وهي مدينة بحرية مقدونية تخضع حاليًا لسيطرة اليونان، وكان والده إبراهيم أغا أحد القادة العسكريين من ذوي الأصول الألبانية الذين عملوا في الحامية العثمانية في تلك المنطقة، وقد عمل محمد علي في شبابه تاجرًا للتبغ، وهو الأمر الذي أثر فيما بعد على رؤيته لتطوير الزراعة المصرية، كما صاهر حاكم تلك المدينة، الأمر الذي رفع من قدره في الدولة وأهله لقيادة الفرقة الألبانية التي أرسلها السلطان العثماني لمصر بعد جلاء الحملة الفرنسية، وفي ظل الوضع غير المستقر والتنازع على السلطة بين المماليك، استطاع محمد علي من خلال التنسيق مع كبار التجار والأشراف في مصر استصدار فرمان من السلطان العثماني سليم الثالث بتعيينه واليًا على مصر في عام 1805م.[٢] مذبحة القلعة والانفراد بالحكم رغم تولي محمد علي السلطة رسميًا، إلا أن السلطة الفعلية في الأقاليم كانت مازالت محل نزاع حيث بقايا جيش خورشيد باشا الوالي السابق على محمد علي، ودعم بكوات المماليك للفارين من الخدمة العسكرية من الجنود الألبان، وقد حاول المماليك دخول القاهرة في نفس عام تولي محمد علي السلطة ولكن حملتهم باءت بالفشل واستطاع الباشا الجديد بمساعدة المواطنين القضاء عليهم والتمثيل بهم، وبعد عامين، أي في عام 1807م وصل إلى الإسكندرية أسطول بريطاني بقيادة ماكينزي فريزر لدعم الألفي بك في انتزاع السلطة من محمد علي، ولكنه كان قد توفي قبل وصول الحملة، ورغم تواجد محمد علي في أسيوط في تلك الفترة لقتال منافسيه من المماليك، إلا أنه استطاع من خلال تحالفه مع العديد من المماليك في شمال مصر هزيمة الإنجليز وإجلائهم عن الإسكندرية بعد ستة أشهر من وصولهم، في مقابل العديد من الإمتيازات التي منحها لبكوات المماليك الذين تحالفوا معه، إلا أنّ حالة الرضى تلك لم تدم طويلًا، حيث قام محمد علي بتدبير مذبحة لكافة قادة المماليك في قلعته حين دعاهم إليها بحجة الاحتفال بتجريد حملة عسكرية إلى شبه الجزيرة العربية بقيادة ولده إبراهيم بك، ولم يستطع النجاة من تلك المذبحة سوى واحد فقط فر إلى سوريا، بينما نهبت كافة أملاك المماليك وفر بقاياهم إلى النوبة.[٣] إصلاحات محمد علي الداخلية اعتمد محمد علي في الإصلاح الداخلي على تنمية القطاع الزراعي في مصر، فمنذ عام 1815م عمل على زيادة الرقعة الزراعية والاعتماد على زراعة محاصيل التصدير كالقطن، واستخدام الفائض من الدخل في الإنفاق على البنية التحتية كمشاريع الري، وعلى تمويل خطط التنمية الصناعية والعسكرية، لم يكن محمد علي يستطيع فعل هذا دون احتكار موارد الدولة، أي بإعطاء التعليمات للفلاحين بزراعة محاصيل معينة وشرائها منهم بمقابل محدد دون تدخل التجار.[٤] أما في مجال التنمية الصناعية فقد استعان محمد علي بالخبرات الأجنبية وأقام من خلال الحكومة مصانع لنسج القطن والحرير والصوف، بالإضافة إلى فرض حظر على استيراد منتجات النسيج البريطانية في محاولة لضبط التوازن التجاري بين البلدين، كما قام محمد علي بإنشاء مصانع لدبغ الجلود وتصنيع السكر محليًا، الأمر الذي أدى إلى تخوف البريطانيين من تلك الأنشطة الاقتصادية لتهديد مصالحها المباشرة في تسويق منتجاتها في مصر واستخدامها كمعبر بري للوصول إلى الهند.[٥] حملاته التوسعية قام محمد علي بالتوسع خارج مصر أكثر من مرة، لكن أبرز تلك التوسعات ما قام به في ثلاثينيات القرن التاسع عشر بغزوه لسورية، حيث أطلق حملة عسكرية في عام 1831م بقيادة ابنه إبراهيم بك استطاعت اجتياح سورية والوصول إلى الأناضول في بدايات العام التالي، وهزيمة قوات الصدر الأعظم العثماني محمد رشيد باشا في معركة قونية، الأمر الذي كان يعني فتح الطريق للجيش المصري للوصول إلى القسطنطينية واحتلالها، وعلى الرغم من حث إبراهيم باشا لوالده على إعلان الاستقلال عن الدولة العثمانية، إلا أن تردد محمد علي أعطى الفرصة للسلطان العثماني لطلب المساعدة من الأوروبيين، وعقد صلح كوتاهية الذي أقر على شرعية حكم محمد علي لمصر والحجاز وكريت، وتولية إبنه إبراهيم على سورية.[٢] وفاة محمد علي توفي محمد علي في 1849م، بعد أن تنازل عن السلطة لولده إبراهيم في عام 1848م بعد ظهور أعراض الشيخوخة عليه وعدم قدرته على التفكير المنطقي، وقد توفي إبراهيم في نفس عام توليه السلطة قبل أبيه، إلا أن الحكم في أسرة محمد علي ظل متوارثًا لأجيال في كل من مصر والسودان، ويشار اليوم إلى إصلاحاته بأنها كانت أول الطريق لتأسيس دولة مصرية مستقلة.[٤]