المتحف الوطني العراقي أحد ضحايا الحرب والدمار

سرقة المتحف العراقي تدمير للحضارة الإنسانية
المتحف الوطني العراقي كان أحد ضحايا الحرب على العراق حيث تعرضت محتوياته للسرقة والنهب والتدمير. جهود البحث عن القطع المنهوبة لم تسفر سوى عن استعادة 3709، معظمها مهشمة، من اصل 15 ألف قطعة مفقودة.

كان المتحف الوطني العراقي إحدى ضحايا حرب العراق والانفلات الأمني الذي حدث عقب سقوط نظام صدام حسين مايو/أيار 2003. ففي خضم العبث بالممتلكات العامة وموجات السطو والسرقة التي أعقبت سقوط بغداد في يد القوات الأمريكية، هجم اللصوص على المتحف الوطني في بغداد وسرقوا وشوهوا الاف التحف وعاثوا فيها فسادا. وقد أضحى المتحف بعد إنهاء الحرب عبارة عن مجرد قاعات خالية ومظلمة حتى أن سلم الرخام لم يسلم من الأيادي العابثة حيث انتزع اللصوص أعمدته. وفي إطار جهود البحث واستعادة القطع المسروقة تم إستعادة بعض القطع في حالة سليمة، بينما كانت القطع الأخرى عبارة عن مجرد شظايا متناثرة. فعلى سبيل المثال أعيدت مزهرية ذات قيمة تاريخية نادرة تحمل صورة تقديم قربان للآلهة وتُعتبر من أهم معروضات المتحف، أعيدت في شكل قطع صغيرة. ولحسن الحظ أن العاملين بالمتحف تمكنوا من إخفاء قطع أثرية ثمينة في بعض الخزائن. كما سُرق تمثال حجري للملك المقاتل شلمنصر الثالث من القرن التاسع قبل الميلاد ثم أعيد ولكن على شكل ست قطع. وقد تم إصلاح التمثال وإعادته إلى مكانه في قاعة المعروضات.


سرقة حضارة بلاد الرافدين


زوار المتحف العراقي يقفون أمام ذاكرة تعود الى ألاف السنين
تمكن اللصوص من سرقة تمثال ضخم من البرونز وزنه 272 كيلوجراما ويعود إلى مملكة أكاديا، عن طريق فتحة في الجدار. وكان يوجد في الغرفة أيضا تمثال في شكل أسد، مصنوع من الحجر الجيري ويرجع إلى العصر البابلي، تم سرقة رأسه. كما نهب اللصوص تمثالين من البرونز لثورين يعودان إلى 2500 قبل الميلاد. وفقدت أكثر من عشرة ألاف قطعة من المتحف منها 30 قطعة رئيسة مثل تمثال باسيتكي ووجه من الرخام لامرأة سومرية. ولم تنج من عمليات النهب هذه سوى قاعة واحدة بسبب ضخامة محتوياتها ومنها لوحات هائلة من الحجر الجيري معلقة على جدران القاعة كانت تزين قصور المدن الآشورية مثل النمرود ونينوى. وتصور اللوحات معارك وملوكا وقادة وخدما، وبفضل وزنهما الثقيل الذي يبلغ 40 طنا نجا من السرقة ثوران مجنحان لهما رأس إنسان وأجنحة نسر.

وكان مدير عام المتاحف العراقية دوني جورج قد كشف في وقت سابق عن أن أكثر من 15 ألف قطعة أثرية نُهبت من متحف بغداد، مشيرا الى أن أكثر من ألف قطعة مسروقة ضُبطت في الولايات المتحدة وتجري الآن اتصالات مع الحكومة لاسترجاعها. وأشار جورج الى أن إدارة المتاحف العراقية تُجري اتصالات مع كل من إيران وتركيا والسعودية والكويت بهذا الصدد، مؤكدا على وجود أكثر من 100 قطعة أثرية في ايطاليا و500 في فرنسا و250 قطعة في سويسرا.


الكارثة كانت في تدمير المتحف


بعض التحف عادت سليمة والأخرى شظايا
أكدت مديرة المتحف العراقي في بغداد أميرة عيدان أنه تم استعادة 3709 قطعة أثرية من أصل 15 ألف كانت قد نُهبت من المتحف إبان عمليات السلب والنهب. وأوضحت عيدان انه تم استعادة التحف من أناس مقابل مبالغ مالية كما انه تم استعادة بعض القطع من دول مجاورة حيث ضبطت القطع على حدودها بالإضافة، إلى قيام الأجهزة الأمنية العراقية بضبط عدد أخر كان معدا للتهريب خارج العراق. وذكرت المسئولة الأثرية العراقية انه قد تم حفظ القطع الأثرية على شكل قاعدة بيانات حتى لا تتكرر التجربة المريرة السابقة، حسب تعبيرها: "فالكارثة لم تكن في السرقة بحد ذاتها بل بتدمير كل أجزاء المتحف العراقي من قاعاته وخزاناته وملاحقه وسراديبه". هذا وقد تم الاستفادة من خبراء إيطاليين قاموا بتدريب الكادر العراقي لغرض صيانة الآثار بصورة علمية. كما ان هناك استعداد من قبل كل من اليابان والولايات المتحدة لتدريب وتطوير مهارات الكادر العراقي المشرف على المتحف.


مشروع لإعادة ترميم المتحف



ادارة المتحف العراقي تقوم بعمليات إعادة ترميم القطع المدَمرة
ولفتت عيدان الانتباه إلى ان هناك مشروعا كبيرا لتطوير وإعادة ترميم المتحف من كافة النواحي: قاعات العرض والخزانات وإعادة طلاء وترميم السطوح وإجراء صيانة للسراديب ووكذلك تحديث الإنارة. وساهمت الحكومة الإيطالية بالتبرع بالمال والمساعدة في تجهيز المتحف بنظام خاص للإنارة. ومن جهتها قد ساهمت الحكومة العراقية بمبلغ نصف مليار دينار عراقي (350 ألف دولار) لغرض الصيانة.

شهرة عالمية

يذكر ان المتحف الوطني العراقي كان قد تأسس لأول مرة عام 1923 حيث كان يشغل حيزا صغيرا في بناية القشلة (السراي القديم ). و بعد مرور عدة سنوات ونظرا لجمع أعداد كبيرة من الآثار، كان لابد من توسيع المتحف، ومن ثم تم نقله إلى بناية خاصة في شارع المأمون وسمي بـ (المتحف العراقي ). وثم جاءت فكرة أن يتم تخصيص بناية جديدة خاصة به تتصف بمواصفات متحفية عالمية تضم آثار العراق كله. وبناء على ذلك تم وضع تصميم خاص لبناية المتحف العراقي في منطقة الصالحية وهي منطقة واسعة رُوعي فيها استخدام الأساليب الفنية الحديثة في بناء المتاحف. وكان الافتتاح الفعلي للمتحف في التاسع من تشرين الثاني عام 1966م. وقد تم مراعاة التسلسل الزمني و الحضاري في عرض محتويات المتحف.

يذكر أن المتحف العراقي كان المتحف يحتل المرتبة السادسة على مستوى العالم لميزته الخاصة، ولكونه بمثابة كتاب أكاديمي مفتوح يوضح التطورات الحضارية لبلاد الرافدين بشكل تسلسلي حسب المراحل التاريخية. كما أنه يعكس مراحل التطور التاريخي والحضاري للشرق القديم عموما.