الخشوع في الصلاة
الخشوع هو الخضوع والتذلُّل والسكون، قال الله - تعالى -: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾ [المؤمنون: 1، 2]؛ أي: قد فاز وسعد ونجح المؤمنون المصلُّون، ومن صفاتهم أنهم ﴿ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾، والخشوع في الصلاة هو: حضور القلب فيها بين يدي الله - تعالى - محبةً له وإجلالًا، وخوفًا من عقابه، ورغبةً في ثوابه، مستحضرًا لقُربه، فيسكن لذلك قلبُه، وتطمئن نفسُه، وتسكن حركاتُه، متأدبًا بين يدي ربِّه، مستحضرًا جميعَ ما يقوله ويفعله في صلاته من أولها إلى آخرها، فتزول بذلك الوساوسُ والأفكار، والخشوعُ هو روح الصلاة، والمقصود الأعظم منها؛ فصلاةٌ بلا خشوعٍ كبدنٍ ميت لا روح فيه.
وأصلُ الخشوع خشوعُ القلب، الذي هو مَلِك الأعضاء، فإذا خشع القلبُ خشعتِ الجوارحُ كلُّها، ولما رأى سعيد بن المسيب رجلًا يعبث في صلاته، قال: لو خشع قلبُ هذا لخشعتْ جوارحُه[1]، وليس للعبد من صلاته إلا ما عَقَل منها، وحضر قلبُه فيها، والشيطانُ يريد من العبد ألاَّ يصلِّيَ ليكونَ من أصحاب النار، فإذا صلى حالَ بينه وبين نفسه، يوسوس له، ويشغله عن صلاته حتى يبطلها أو ينقصها، وفي الحديث: (إن العبد ليصلي الصلاةَ، ولا يُكتب له إلا ربعها، إلا خمسها، إلا سدسها، حتى بلغ عشرها )[2].
وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو بأمَّتِه رؤوف رحيم - أرشد إلى سلاحٍ قوي يكافح به العدو، فإذا خرج المسلم من بيته إلى المسجد أو إلى غيره، أرشده أن يقول: (بسم الله، آمنتُ بالله، اعتصمتُ بالله، توكَّلتُ على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله )، إذا قال ذلك، يقال له: هُديتَ وكُفيتَ ووُقيتَ، ويتنحى عنه الشيطان[3]، فإذا دخل المسجد يقول: (أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وبسلطانه القديم، من الشيطان الرجيم، إذا قال ذلك، قال الشيطان: عُصم مني سائر اليوم )؛ حديث حسن، رواه أبو داود بإسناد جيد[4].
وإذا دخل في صلاته مستحضرًا عظمةَ ربِّه، وحضوره بين يديه، يقول بعد دعاء الاستفتاح: (أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم )، ثم بعد ذلك يتفكَّر المصلي فيما يقوله ويفعله ويسمعه من الإمام، إذا كان مأمومًا فجهر الإمام بالقراءة، استمع لقراءته، فإذا أسرَّ اشتغل المأموم بالقراءة.
ومن مظاهر الخشوع في الصلاة: قبضُ اليد اليمنى على كوع الشمال، والنظرُ إلى موضع سجوده، وعدمُ رفع بصره إلى السماء، وعدم الالتفات يمينًا أو شمالًا، وعدمُ الحركة والعبث والاشتغال بالملابس وغيرها، وعدمُ فرقعة الأصابع أو تشبيكها؛ فكلُّ هذا ينافي الخشوع.
قال ابن عباس: "ركعتانِ في تفكُّرٍ خيرٌ من قيام ليلة والقلبُ ساهٍ"[5]، وقال سلمان الفارسي: "الصلاة مكيالٌ، فمن وفَّى وُفِّي له، ومن طفَّف، فقد علِمتم ما قال الله في المطففين"[6]، وفي الحديث: (أسوأ الناس سرقةً الذي يسرق من صلاته؛ وهو الذي لا يتم ركوعَها ولا سجودَها، ولا القراءةَ فيها )[7]، وفي الحديث: (إن الله يَنصبُ وجهَه لوجه عبده في صلاته، ما لم يلتفت )[8]، والالْتفات المنهيُّ عنه في الصلاة قسمان: الْتفاتُ القلب عن الله - تعالى - إلى غيره، والْتفات البصر، وكلاهما منهيٌّ عنه، ولا يزال الله مقبلًا على عبده، ما دام العبد مقبلًا على صلاته، فإذا التفتَ بقلبه أو بصرِه، أعرض الله عنه[9].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ