حب الصحابة من الإيمان الواجب
إنَّ من الإيمان الواجب على كلِّ مسلمٍ أن يحبَّ أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام وآلَ بيته، ويُقرَّ بأفضليتهم على غيرهم من سائر المسلمين، "وأنهم متفاوتون في الفضلِ وعلوِّ الدرجة بحسب أسبقيتِهم في الإسلام"؛ انظر "منهاج المسلم" لأبي بكر الجزائري، مكتبة العلوم والحكم، ص.52.
وكلنا يعلم أن الصحابةَ - رضوان الله عليهم - عاشوا زمنَ نزول الوحي، وتعلَّموا العلمَ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونقلوا إلينا هذا الخير عبر الأجيال، فهُم عاشوا في خير القرون التي قال فيها عليه الصلاة والسلام؛ كما ثبت في الصحيحين من حديث عبدالله بن مسعودٍ رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((خيرُ الناسِ قرني، ثمَّ الذين يلُونهم، ثم الذين يلونهم، فلا أدري في الثالثة أو في الرابعة قال: ثم يخلف بعدَهم خَلفٌ تَسبِقُ شهادةُ أحدهم يمينَه ويمينُه شهادتَه)).
وقد رضي اللهُ عنهم، ووصفَهم سبحانه بذلك في غير ما آية؛ كما في قوله عز وجل: ﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 100]، وفي قوله سبحانه: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ﴾ [الفتح: 29].
فالمؤمن يلزمُه احترامهم، وعدم الخوضِ فيهم بلا أدب، وعدم التجرؤ على سبِّهم، كما تفعل بعض الفِرق؛ لأن سبَّهم من أكبر الكبائر، وآيةٌ من آيات النفاق، وصاحبُه معرِّضٌ نفسَه للعنة الله وللوقوع في الفسق أو الكفر؛ فعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من سبَّ أصحابي؛ فعليه لعنةُ الله والملائكةِ والناس أجمعين))؛ الصحيحة (2340).
وقال صلى الله عليه وسلم: ((لا تَسبُّوا أَصحابي؛ فإنَّ أحدَكم لو أنفق مثل أُحُدٍ ذهبًا؛ ما أدرك مُدَّ أحدهم ولا نصيفَه))؛ رواه البخاري (3397) ومسلم (4611).
وعنه عليه الصلاة والسلام قال: ((اللهَ الله في أصحابي، لا تتَّخذُوهم غرضًا من بعدي، فمن أحبَّهُم فبحُبِّي أحبَّهم، ومن أبغضَهم فبِبُغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى اللهَ، ومن آذى الله فيُوشكُ أن يأخُذه))؛ رواه الترمذي (3862) وحسَّنه، انظر "منهاج المسلم"، ص.53.
وفي الصحيحين أيضًا عن البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الأنصار: ((لا يُحبُّهم إلا مؤمنٌ، ولا يُبغضهم إلا منافقٌ، مَن أَحبهم أحبَّه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله)).
وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((آيةُ الإيمان حبُّ الأنصار، وآيةُ النفاق بُغض الأنصار))؛ رواه البخاري ومسلم.
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في: "الصَّارم المسلول على شاتم الرسول صلى الله عليه وسلم" أن: "من تعمَّد سبَّهم لدينهم؛ فذلك كفرٌ ورِدَّة، وإن كان سبَّهم لحقدٍ وغيظٍ في نفسه فهو فاسق".
وجاء عن القاضي أبي يعلى قولُه: "من قذَف عائشةَ بما برَّأها الله منه كَفَر بلا خلاف".
فتأمَّل أخي الحبيبَ أن الصحابة رضوان الله عليهم زكَّاهم اللهُ وأثنى عليهم، وهو سبحانه يُدافع عن أوليائه؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله قال: مَن عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب...))؛ رواه البخاري.
وعلى المسلم أن يؤمنَ بأن أفضل الصحابة "الخلفاءُ الراشدون الأربعة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله تعالى عنهم أجمعين، ثمَّ العشرةُ المبشَّرون بالجنة وهم: الراشدون الأربعة، وطلحة بن عبيدالله والزبير بن العوَّام وسعدُ بن أبي وقَّاص وسعيد بن زيد وأبو عبيدة عامر بن الجراح وعبدالرحمن بن عوف، ثمَّ أهلُ بدرٍ، ثم المبشرون بالجنة من غير العشرة؛ كفاطمة الزهراء وولديها الحسنين، وثابت بن قيس، وبلالِ بن رباح، وغيرهم، ثم أهلُ بيعة الرضوان، وكانوا ألفًا وأربعمائة صحابي رضي الله عنهم أجمعين"؛ انظر منهاج المسلم، ص.53.
كما ينبغي للمسلم المؤمن: "أن يؤمن بحُرمة زوجاتِ الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنهنَّ طاهرات مُبرَّآت، وأن يترضَّى عليهن، ويرى أن أفضلَهن خديجة بنت خويلد، وعائشة بنت أبي بكر؛ وذلك لقول الله تعالى: ﴿ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ﴾ [الأحزاب: 6]؛ انظر منهاج المسلم، ص53.
ويؤمن المسلم بكلِّ ما أُثر ذكرُه عن النبي صلى الله عليه وسلم في وصفِه لأصحابه، ويلزمه الكفُّ عن ذكرِ مساوئهم، ويسكت عن الخلاف الذي شجَر بينهم؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((...، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى اللهَ، ومن آذى الله فيُوشكُ أن يأخُذه))؛ سبق تخريجه، انظر منهاج المسلم، ص53.
والله تعالى أعلم وأحكم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.[/size]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ