والد زوجي ينتقدني بشدة
السؤال:
ملخص السؤال:
فتاة متزوجة وعلاقتها بزوجها ممتازة، لكن بينها وبين أهل زوجها مشكلات كثيرة، مما جعل والد زوجها ينتقدها بشدة أمام زوجها ويتهمها بالتفريق بين الإخوة.
تفاصيل السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
أشكرُكم جزيل الشُّكر على هذه الشبكة المفيدة، وأسأل الله أن يجعلَ كل إسهاماتكم في ميزان حسناتكم.
أنا فتاةٌ متزوِّجة منذ عامَيْن، عَلاقتي بزوجي ممتازةٌ جدًّا، والحمدُ لله، فهو متفاهمٌ، وحنون معي.
زوجي يعمل في أوروبا، وفي مرحلة ما بعد الزواج سكنتُ مع أهله (أمه، وأبيه، وأخته)، حتى تتم أوراقُ سفري، وكانت عَلاقتي بهم جيدةً في تلك المدَّة، مع بعض الخلافات البسيطة (مع أخته)، ولم أكنْ أخبره بها عندما يأتي في الإجازات.
المهم مَضَتِ السنةُ الأولى ثم ذهبتُ معه إلى أوروبا، وهناك سكنتُ معه في بيت العائلة، وكان معنا أخوه غير المتزوج، وبعد أشهرٍ أتوا كلُّهم، وبَقَوا معنا في شقتنا الصغيرة!
كنتُ أحب التنزُّه مع زوجي وحدَنا في نهاية الأسبوع، وكان هذا يُضَايقُهم، ولم أكنْ أبالي بذلك، وذات مرة رجعنا مُتأخِّرينِ، وحدثتْ مشكلةٌ بيني وبين أخيه، فاشتكاني لوالدِه، فأتى والدُه بعد ذلك، وقام بنهري بشدة أمام العائلة كلها؛ بحجة أني أريد التفْرِقة بين الإخوة، وصرخ في وجهي وبكى!
لم يتركْ لي فرصةً لأُفهِمه ما حدث، فآثرتُ السكوت، حتى لا تكبرَ المشكلة، وبقي غضبان عليَّ أنا وزوجي، وبعدها ذهبتُ إليه لأطلبَ منه السماح فسامحني، لكنه أهملني، فقلتُ: قد فعلتُ ما يتوجَّب عليَّ، ومع ذلك بَقِي غضبان على زوجي، فنصحتُ زوجي بأن يذهب هو بنفسه إلى أبيه، ويطلب منه السماح ويُرضِيه.
بعد ذلك أتى زوجي، وقال لي: أبي يقول: إنك لا تعجبينه، وتخرجين بـ"المكياج"، وحجابُك ليس إسلاميًّا، وأنتِ مُسرِفة في استخدام المياه والكهرباء، وتريدين التفْرِقة بيني وبين أخي، ولستِ نظيفةً، ودائمة الخِصام مع أختي، وأخبَرَني زوجي كذلك بأن أمه غاضبة عليَّ، والقائمة طويلة ومليئة حتى بأتفه الأمور التي مرَّ عليها أكثرُ مِن سنة.
شعرتُ بالقهْرِ والظلم حينها، وقلتُ له: أنا لم أكن أعرف أنهم حاقدون عليَّ لهذه الدرجة، فما هو الحل في رأيك؟! فاقترحْتُ أن أذهب إليهم لأطلب السماح، ليس لأني مخطئة، لكن لتصفوَ القلوب!
ذهبتُ وتصالحنا، لكنهم كانوا يُدارون، ويُظهِرون عدم المُبالاة، وعادتِ المياه إلى مجاريها، لكن قلبي يحترقُ مما حدث، وأنا لا أودُّ أن أكون شريرةً معهم، لكني في الوقت نفسِه لا أريد أن أكون في أسفل سافلين!
أفيدوني جزاكم الله خيرًا، كيف أستطيع التعامُل مع والد زوجي، الذي نزل مُستواه في نظري، ومع والدته التي تخبره بكلِّ التفاصيل؟
الجواب:
وعليك السلام ورحمة الله وبركاته.
حياك الله أيتها الكريمة، لا يتصرَّف الناسُ عادةً بمِثْل هذه القسوة وتلك الفظاظة إلا أن تكونَ نفوسُهم قد شحنتْ بالنفور، وقلوبهم بالبغض تُجَاه مَن يخطئ في حقِّهم، ويقصر في إكرامهم، وأهل الزوج وإن لم يكونوا مِن ذوي الأرحام، ولا تجب عليك صِلَتُهم، إلا أن المعروف وحسن الخلق حقٌّ لكلِّ مسلمٍ علينا.
قد يكون بَدَر منهم ما أوغر صدرَكِ، وجعلك تتصرفين معهم بنوعٍ مِن الغلظة، أو اللامبالاة التي أثارتْ في أنفسِهم الشجون، وهيَّجتْ لديهم الأحزان على ولدِهم الذي ربَّوه ورعوه ونشأ بين أحضانهم في ظلِّ عطفِهم وحنانهم، يجدُ الوالد أو الوالدة نفسه أمام واقعٍ يراه مريرًا، مقارنةً بما كان عليه قبل ذلك؛ فطفلُه الذي بذل كل ما في وُسعه لإسعادِه، وسهر على راحته، وأنفق الكثيرَ في سبيل إرضائه، ثم انتظر ردَّ جزء مِن ذلك الجميل الذي لا يُرَد؛ فكان أن ابتعد عنه ولدُه بعد أن صار رجلًا، وأخذتْه فتاةٌ لم يكنْ لها به سابق عهد أو صلة، فاستولتْ على قلبه، واستحوذتْ على اهتمامه، وكان لها النصيبُ الأكبر من عنايته.
هكذا يُفَكِّر والده ووالدته على ما يَبْدُو، وبصرفِ النظر عن صحَّة اعتقادِهم، وسلامة تفكيرهم، إلا أنه عليك أن تنظري مِن مِنْظارهم؛ لتتَّضِح لك الرؤية، وتتمكَّني من حُسن التصرُّف.
أيتها الفاضلة، لا بدَّ في مِثْل هذه الحالات مِن الربط بين حقوقٍ كَفَلها اللهُ لك، وواجبات فرَضَها عليك؛ مِن حق المرأة في الإسلام أن يوفِّر لها الزوجُ مَسْكنًا مُستَقِلًّا، وألَّا يجمعَها مع أهله أو بعضهم في مسكنٍ واحد، أو أن يخصِّص لها غرفة بمَرافقها، فيكون لها من الخصوصية ما لا يعرضها للحرَج، وتكون منفصلة عن أخيه، أو أهله من غير المحارم، "وعليه أن يُسكنَها في دار منفردةٍ ليس فيها أحدٌ مِن أهله، إلا أن تختار ذلك".
هذا إن كانوا معكِ في نفس السكن ولم ينتقلوا إلى غيره، فقد تحدَّثت بما يُفِيد أنهم لا يُقِيمون معكم الآن.
وأما عن الواجبات فهي كثيرةٌ؛ فللزوجِ على زوجِه أن تُطِيعه في كلِّ ما ليس فيه معصية، وألَّا تُوغِر الصدور، أو تُوقع العداوة بينه وبين أهله، ولن تعجزَ المرأة في الأحوال الطبيعية أن تُحسِنَ إليهم وتبرَّهم، وأن تصبر على بعض ما تلاقيه مِن أذى من أناس في مقامِ وأعمار والدَيها، وإن كنتِ تُحاولين ذلك، ولا تجدين إلا الصد والاجتناب، فلا أقلَّ مِن تواصُل يسيرٍ، يُبقي أمْرَاسَ المودة ولا يقطعها؛ ولا داعي لكثرة الزيارات، أو المحادَثات بالهاتف أو غيره في أمور من شأنها أن تولدَ البغض، أو تستثير الغيرة، فلتكتفي بالسلام والتحية والتهنئات، وغير ذلك.
ولتكنْ تفاصيل حياتك وأمورك الخاصة ببيتكِ حبيسة الدار، لا تحادثي فيها أهلَه - كأمه أو أخته - ولا تطلعيهم عليها، وتجنَّبي الاحتكاك قدْر الإمكان؛ حتى تهدأ النفوس وتبرأ مِن علتها.
وأما عن والده الذي تحدَّث فيك بما يُؤذِيك، فلتكنْ نظرتُك إليه نظرةَ شفقةٍ، لا حقد وغِل، فقد نقلت إليه الصورة على نحوٍ يُثِيره ويستفزُّه، مما دعاه لهذا القول، ولعله ينصح، لكنه أخطأ الطريق، وأضلَّ المنهج، فالحجابُ وإخفاء الزينة عن الأجانب وغيرها لا شكَّ أنها مِن صفات كل مسلمة حريصة على إرضاء ربها، واتباع سبيل الرشد، فليكن حجابُك لإرضاء ربك، وليس لوالد زوجك ولا لزوجك، فهذا أمرٌ إلهيٌّ لا يجوز لمسلمة التفريط فيه، والتخلِّي عنه؛ قال تعالى: ﴿ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾[النور: 31]؛ فلتنظرِي - باركَك الله - في تفسيرها، ولتطلعي على ما فيها مِن أحكام يجدرُ بكلِّ فتاةٍ أن تلتزم بها وتطبقها وتسير عليها.