فلم يعترض سيدنا يونس (عليه السلام) أبدًا على قضاء الله،وألقى بنفسه في عرض البحر، وكانت ثقته في الله كبيرة، وليس لها حدود، ظنّ أنّ الله سبحانه وتعالى سيجعله ينجو من هذه المحنة، وبالفعل حدث هذا فقد قام حوت بابتلاعه بأمر الله تعالى.
ولمّا أصبح سيدنا يونس في بطن هذا الحوت كان يظن أنه توفاه الله، ولكنه وجد أنه حي يٌرزق عندما حرّك يديه، وقدميه فوجد أنهما يستجيبان له، فسجد لله تعالى شاكرًا على أنه لم يحدث له سوء ونجاه بفضله ورحمته سبحانه.
بقي يونس في بطن الحوت لمدة ثلاثة أيّام، وكان في خلال ذلك يسمع بعضًا من الأصوات الغريبةً عليه، والتي لم يستطيع فهمها وتفسيرها، ولا معرفة من أين تأتي فهو في عرض البحر، فأوحى الله تعالى له أنّها تسبيح مخلوقات البحر، فأصبح هو أيضًا يٌسبّح الله تعالى.
وكان سيدنا يونس ملازمًا على قول الدعاء المأثور عنه في الكرب والشدائد: “لا إله إلّا أنت، سُبحانك إنّي كنت من الظّالمين” وبعد أن عفا الله عنه سوء عمله أمر الحوت الذي قام بابتلاعه بأن يقذف به على منطقة ما معزولة على اليابسة.
وكان الله قد أنبت له عليها شجرة من اليقطين ليستظلّ بظلها، فلا تصيبه الشمس بمكروه في هذه الجزيرة النائية، وأن يأكل من ثمرها، حتى كتب الله له النجاة من ذلك المكان أيضًا.
العبر والحكم المستفادة من قصة يونس في بطن الحوت
عدم الاستعجال أوالتهور في اتخاذ القرارات المصيرية حيث قال الله تعالى: “وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ”.
يجب علينا عدم الغضب، فخروج سيدنا يونس عليه السلام وتركه لقومه كان بسبب غضبه الشديد عليهم، وعلى حالهم الميؤوس منه.
الصبر فهو كما يٌقال عنه مفتاح الفرج، وهو طريق تحقيق الغايات التي تأخّر ظهورها، والداعي إلى الله تعالى عليه أن يكون صبورًا في دعوته.
الإكثار من التسبيح بالصيغة الآتية: “لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ” أثناء وجود يونس في بطن الحوتفهي جامعة لكل الأذكار، ففيها تسبيح واستغفار، وتوحيد.
والدليل على أثر تلك الدعوة في استجابة الدعاء قول رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): “دَعْوةُ ذي النُّونِ إذ دَعا وهو في بطْنِ الحُوتِ: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، لم يَدْعُ بها رجُلٌ مُسْلِمٌ في شَيءٍ إلا اسْتجاب اللهُ لَهُ”.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ