تعرف على "أول شهيد" و"أصغر شهيد" في الإسلام
في بداية الدَّعوة الإسلاميَّة، قدَّم المسلمون الأوائل تضحياتٍ كبرى ومواقفَ عظيمةً في سبيل الله ونصرةً لدينه، فمنهم من ضحَّى بماله أو بيته أو مكانته بين قومه وأهله، ومنهم من بلغت التّضحية عندهم إلى التَّضحية بنفسه وروحه، وبذلهما في سبيل الله تعالى والثَّبات على دينه.
وقد وعد الله تعالى من يضحِّي بنفسه في سبيله ونصرةً لدينه بثوابٍ عظيمٍ وأجرٍ كريم، كما في قوله تعالى: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ*فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ*يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ)".
ومن هذه التضحيات والبطولات نستعرض الليلة قصصًا نتعرف من خلالها عن أول شهيد في الإسلام، وأول أصغر شهيد في الإسلام، واللذان فديا الدين ونصرا الرسول عليه الصلاة و السلام وتحملا كثيرًا من الأذى، وقدما روحيهما إيمانًا وتسليمًا وتصديقًا لرسالة محمد -صلى الله عليه وسلم-.
-أول شهيد في الإسلام
قد يكون من اللافت والمثير للعجب أن يكون أول شهيدٍ في الإسلام وبداية الدَّعوة الإسلاميَّة هو "امرأةٌ" ضحَّت بنفسها في سبيل الله وثباتًا على دينه على الرغم من قساوة ما لاقت من كفار قريش، وعلى الرغم مما كان عليه الإسلام والمسلمون في بداية الدعوة الإسلاميَّة من ضعف حالٍ وقلّةٍ عددٍ وعدم تمكين.
"سميَّةُ بنت الخيَّاط"، أم عمار بن ياسر، هي أول شهيدةٍ في التاريخ الإسلاميّ. كانت سميَّة أَمَةً عند أبي حذيفة بن المغيرة وهي من أوائل المسلمين ومن السَّابقين إليه في بداية الدَّعوة وقد عذَّبها أبو حذيفة بن المغيرة محاولاً ثنيها عن البقاء في الإسلام ومراوغًا لها لتكفر بالله تعالى وبنبوة النَّبيّ محمدٍ -عليه الصَّلاة والسَّلام-، فأبت ورفضت وبقيت ثابتةً عليه حتى قُتلت.
ونُقل أنَّ الذي قتلها هو أبو جهل حيث طعنها بحربةٍ أي رمحٍ في يده فقتلها، فكانت أول شهيدةٍ في الإسلام. وكذلك رُوِي أنَّها من السَّبعة الأوائل الذين أظهروا إسلامهم بعد رسول الله -عليه الصَّلاة والسَّلام-، وأبي بكر، وبلال بن رباح، وخبّاب بن الأرت، وصهيب بن سنان، وابنها عمار بن ياسر.
وقد عُذِّبت سميَّة بنت الخياط -رضي الله عنها- من قِبل كفار قريش ونالها منهم عظيم الأذى ولم تكن وحدها تخضع لهذا التعذيب والإيذاء النفسيّ والجسديّ؛ بل تعرّض زوجها ياسر وابنها عمار بن ياسر إلى العذاب والأذى من المشركين ولاقوا في سبيل هذا الدين ما لقيت سُميَّة فعمار ابنها كان من السابقين إلى الإسلام.
وروي أنَّ الله تعالى أنزل في عمار بن ياسر -رضي الله عنه- قرآنًا ذلك أنَّه تحت تعذيب كفار قريش وشدَّة إيذائهم له أمروه أن يسبَّ النَّبيّ -عليه الصَّلاة والسَّلام- ويذكر آلهتهم من الأصنام ويعليها، ففعل من شدَّة الألم الذي لحقه، وحزن على ما كان منه، وذهب بعدها للنَّبيّ -عليه الصَّلاة والسَّلام- يحدِّثه بما كان منه، فسأله النَّبيّ عن قلبه، فأجابه بأنَّه مطمئنٌ بالإيمان، فأنزل الله تعالى قوله: (مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ).
وقد حسن إسلام عمار بن ياسر -رضي الله عنه-، وقدَّم للإسلام والمسلمين الكثير؛ فقد كان من المهاجرين إلى المدينة، وشهد مع النَّبيّ -عليه الصَّلاة والسَّلام- غزوات بدر، وأُحُد، والخندق، وبيعة الرضوان. كان كفار قريش يُعذّبون سميَّة وياسر وابنهما عمَّار -رضي الله عنهم- مُجتمعين على رمال مكّة الحارَّة في وقت الظهيرة، أي ذروة الحرِّ الشديد ويمرُّ عليهم النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- وهم على هذه الحال من الأذى والألم، فيُصبِّرهم ويُواسيهم ويُبشّرهم بالجنَّة كما روى جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- عن النَّبيّ -عليه الصَّلاة والسَّلام- : (أنَّ النَّبيَّ مرَّ بعمَّارِ بنِ ياسرٍ وبأهلِه وهم يُعذَّبونَ في اللهِ عزَّ وجلَّ فقال: أبشِروا آلَ ياسرٍ موعِدُكم الجنَّةُ).
أصغر شهيد في الإسلام
في السطور التالية نتوقف أمام السيرة القصيرة والفعل الكبير للصحابي الجليل عمير بن أبي وقاص، رضي الله عنه، هذا الفتى ابن الستة عشر ربيعًا كان واقفًا يرتجف بين صفوف المقاتلين، ليس خوفًا من ملاقاة أعداء الله، وإنما خوفًا من أن يستصغره رسول الله ويشفق عليه من هول القتال؛ فيخرجه من بين صفوف المجاهدين.
إنه الصحابي الفتي عمير بن أبي وقاص القرشي الزهري أمه هي حمنة بنت سفيان بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي، وهو من أخوال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فهو من بني زهرة أهل آمنة بنت وهب أم النبي صلى اللَّه عليه وسلم.
كان عمير من الأوائل الذين دخلوا في دين الله تعالى، فأسلم على يد أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، بعد إسلام أخيه سعد، رضي الله عنهما.
كان إيمان الصبي عمير شديدًا برسالة الإسلام، وبرسول الله -صلى الله عليه وسلم- استمع لرسول الله، فكان صغيرًا في السن كبيرًا في الوعي والإدراك، فكان من أوائل المهاجرين على الرغم من سنه الصغير مع أخيه سعد إلى المدينة، وقد آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين عمرو بن معاذ أخي سعد بن معاذ، رضي الله عنهما.
وجاء الموقف الذي وضع عميرًا في سجل العظماء حين جاءت غزوة بدر الكبرى في رمضان، وتفقد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المسلمين، فوجد سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- أخاه عميرًا يتوارى من رسول الله، فقال له سعد: مالك؟ قال الفتى الصغير العمر عميق الإيمان: أخاف أن يراني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيستصغرني فيردني, وأنا أحب الخروج للجهاد لعل الله يرزقني الشهادة.
وتروي كتب التاريخ عن سعد بن أبي وقاص قوله: "رد رسول الله صلى الله عليه وسلم عمير بن أبي وقاص عن بدر؛ استصغره، فبكى عمير، فأجازه، فعقدت عليه حمالة سيفه، ولقد شهد بدرًا وما في وجهه شعرة واحدة أمسحها بيد.
وعن عامر بن سعد عن أبيه قال: رأيت أخي عمير بن أبي وقاص قبل أن يعرضنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للخروج إلى بدر يتوارى، فقلت: ما لك يا أخي؟ فقال: إني أخاف أن يراني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيستصغرني فيردني، وأنا أحب الخروج لعل الله يرزقني الشهادة. قال: فعرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستصغره، فقال: ارجع، فبكى عمير، فأجازه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. قال سعد: فكنت أعقد له حمائل سيفه من صغره، فقتل في بدر وهو ابن ست عشرة سنة قتله عمرو بن عبد ود.
واستشهد عمير بن أبي وقاص في بدر في قول الجميع، وهو ابن ست عشرة سنة، قتله عمرو بن عبد وُدّ العامري الذي قتله علي بن أبي طالب يوم غزوة الخندق.