في الدنيا متضادات كثيرة؛ فالليل يقابله النهار والأبيض يقابله الأسود. وقد قيل : بضدها تتميز الأشياء. ويصدُق هذا فيما هو مادي كما يصدُق فيما هو معنوي أيضا.
فلكي تُدرِك الانسان الطيب يجِب أن تُقارنه بالانسان الخبيث، والحليم يتبين حِلمه أمام الغضوب، والعاقل يتميز بعقله حين يحاور أحد الجهال وهكذا...
ففي كل ما خلق الله عز وجل حكمة هي الابتلاء والامتحان. و بهذا قد نعرِف الإجابة حين نتساءل أحيانا: ما حكمة أن يكون في محيطك أو عائلتك من هو خبيث السويَّة أو سريع الانفعال أو الحسود أو سيئ النية، الذي يشُكُّ في كل من حوله.
إن وجود هؤلاء ضروري في حياتك؛ فلولا وجودهم لما تبيَّن صدق الصادق ولا صبر الصَّبور ولا حِلم الحليم ولا عقل العاقل.
ولهذا مدح الله سبحانه المؤمنين الذين يتميزون بنُبل أخلاقهم في تعاملهم مع جميع أصناف الناس؛ فقال تعالى: (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما)، ويقول النبي ﷺ :" المؤمِنُ الذي يُخالِطُ الناسِ و يَصبِرُ على أذاهُمْ ، أفضلُ من المؤمِنِ الَّذي لا يُخالِطُ النَّاسَ و لا يَصبرُ على أذاهُمْ "، ويقول عليه الصلاة والسلام: "ليسَ الشَّديدُ بالصُّرَعَةِ ، إنَّما الشَّديدُ الَّذي يملِكُ نفسَه عندَ الغَضبِ".
بل إن أسمى الأخلاق هي أن تقابل الإساءة بالإحسان والقطيعة بالصلة، يقول ﷺ : "ليس الواصلُ بالمكافِيءِ ولكنَّ الواصِلَ الذي إذا انقطعتْ رحمُه وصلَها". وقوله عليه الصلاة والسلام: "اعْفُ عمَّنْ ظَلَمَكَ ، وصِلْ مَنْ قَطَعَكَ ، وأحسنْ إلى مَنْ أساءَ إليكَ ، وقُلْ الحقَّ ولَوْ على نفسِكَ".