اليوم في 6:49 pm اليوم في 6:47 pm اليوم في 6:46 pm اليوم في 6:41 pm اليوم في 6:41 pm اليوم في 6:39 pm اليوم في 6:37 pm اليوم في 6:36 pm اليوم في 6:32 pm اليوم في 6:32 pm
خلق الله الإنسان، وهو وحده العالم بتفاصيل تكوينه وكينونته، ولأن الله تعالى وحده المالك لصفة الكمال، فإن ما دونه تعالى مُعرَّض للنقصان في الأداء؛ بسبب شراسة الغرائز والتعرُّض للإكراهات؛ لذلك ارتضى الله لعباده المؤمنين الشريعة الإسلامية منهاجًا يحتوي على أسباب ارتقاء الإنسان ووقايته نوائب الإفراط والتفريط في أدائه بوصفه مخلوقًا عاقًلا مسؤولًا، ومن هذه الأسباب الاستغفار، وفائدتُه ضبط مختلف اختلالات الأداء ومحو ضررِها، وتَوَقِّي عاقبتها؛ قال ابن القيم رحمه الله: "الاستغفار طلب وقاية ما مضى"؛ مدارج السالكين، ص 531.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "الاستغفار يخرج العبد من الفعل المكروه إلى الفعل المحبوب، ومن العمل الناقص إلى العمل التامِّ، ويرفع العبد من المقام الأدنى إلى الأعلى منه والأكمل"؛ (فتاوى ابن تيمية، كتاب التصوف).
وقال رحمه الله في موضع آخر: "الذنوب سبب للضرِّ، والاستغفار يُزيل أسبابه؛ كما قال الله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [الأنفال: 33]، فأخبر أنه سبحانه لا يعذِّب مستغفرًا"؛ (فتاوى ابن تيمية، تفسير سورة النمل).
إن رحمة الله سبحانه وتعالى تتجلَّى في قبول دعوى المغفرة، كلما صدق فيها المؤمن، وما كان لأحد أن يتوجَّه لله، إلا إذا تنبَّه لسوء نيَّته ورداءة صنيعه، وخشي ربَّه بالغيب، وما الله سبحانه قادر عليه؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ ﴾ [البروج: 12].
والله رؤوف وعفوٌّ، ولطيف بكل من أثنى عليه بالألوهية والوحدانية، مخلصًا في عزيمته على الاستغفار، ولأن النقص وارد في المؤمن؛ لذنب اقترفه أو لواجب تركه عمدًا أو لهوًا، أو لعُجْبٍ طاله بنفسه، أو لتعاظُمٍ مسَّه بما حصَّله، فإن الاستغفار يقي المؤمن من سوء مفارقة الإيمان، ويهدي إلى الارتقاء بالنعم في ملكوت الإله الأحد.
وقد أورد البخاري في صحيحه بابًا أسماه: "باب أفضل الاستغفار"، وقوله تعالى: ﴿ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ [نوح: 10، 12] ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [آل عمران: 135]، والحديث عن أوس بن شداد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((سيد الاستغفار أن تقول: اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شرِّ ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليَّ، وأبوء لك بذنبي، فاغفر لي؛ فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت))، قال: ((ومن قالها من النهار وهو موقن بها، فمات من يومه قبل أن يمسي، فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يُصبح، فهو من أهل الجنة)).
قال ابن أبي جمرة: "جمع صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث من بديع المعاني وحُسْن الألفاظ ما يحقُّ له أنه يُسمَّى سيد الاستغفار، ففيه الإقرار لله وحده بالأُلوهية والعبودية، والاعتراف بأنه الخالق، والإقرار بالعهد الذي أخذه عليه، والرجاء بما وعده به، والاستعاذة من شرِّ ما جنى العبد على نفسه، وإضافة النعماء إلى موجدها، وإضافة الذنب إلى نفسه، ورغبته في المغفرة، واعترافه بأنه لا يقدر أحد على ذلك إلا هو، وفي كل ذلك الإشارة إلى الجمع بين الشريعة والحقيقة"؛ (فتح الباري، كتاب: الدعوات).
إن المؤمن بالله تعالى يرجو رحمة الله كلَّ حين، ويستغفر الله دومًا كلما تنبَّه لنقص أو ضَعفٍ أو توفيق في أدائه، وما نال أحد فضل ربه، وارتقى فيه، إلا إذا أتى ما أراده ربُّه سبحانه وتعالى