جنكيز خان إمبراطور الشر وقاهر العالم
يتطرق منصور عبد الحكيم في كتابه «جنكيزخان أمبراطور الشر وقاهر العالم» إلى القصة الدامية لصعود إمبراطورية الشر التي أسسها جنكيز خان، ومراحل تكوين هذه الإمبراطورية والمواجهات الدامية التي جمعت بينها وبين العالم الإسلامي، واحتلالهم مدنه كبغداد والقدس وتوسع رقعتها حتى وصلت دول أوروبا الشرقية....
كما يروي هذا الكتاب سيرة إمبراطور ظل يجلس على عرش من الجماجم البشرية حتى جاوز الستين من عمره قبل أن يسلم الراية المخضبة بدماء ضحاياه لأولاده ليواصلوا طغيانه إلى أن دخلوا الإسلام وخمدت نار الشر التي تملكتهم ردحا من الزمن.يذهب عبد الحكيم إلى أن لكل أمة من الأمم مراحل صعود تعلو فيها وتسيطر على الأمم الأخرى وتسود الشعوب والأراضي الشاسعة ثم تخبو وتنكمش وتصبح أثرا بعد حين، معتبرا التتار أو المغول أو يأجوج ومأجوج وكلها مسميات لأمة واحدة متعددة الأعراق نشأت في الشمال الشرقي للقارة الآسيوية على الحدود المتاخمة للإمبراطورية الصينية قبل الميلاد، لهم عاداتهم وطقوسهم الغريبة المختلفة عن بقية شعوب الأرض حتى إنهم أذاعوا الذعر والرعب على فترات متعددة عبر التاريخ الإنساني القديم والحديث حين خرجوا فأغاروا على الأمم الأخرى المجاورة لهم والبعيدة عنهم أيضا.
وتطرق عبد الحكيم إلى أهم صفات المغول والتتر الخلقية والخلقية التي جعلتهم يتميزون عن غيرهم من البشر، حيث اشتهروا بالرأس المستدير والشعر الأسود الناعم والخشن أيضا والجبهة العريضة والوجه العريض والعيون الضيقة المنحرفة ذات الحقوبة السميكة، والأنوف العريضة والشفاه المتوسطة، واللون الضارب إلى الصفرة والطول المتوسط الذي يميل إلى القصر.
كما يتميزون بصفات خلقية جعلتهم يمتازون عن البشر بها مما جعلهم يغزون العالم في فترات كثيرة قبل الميلاد وبعده، أهمها التأجج والقسوة والسرعة في الحركة والقتال وركوب الخيل بطريقة تختلف عن باقي الشعوب الأخرى.
وعن دكتاتورية المجتمع المغولي والتتري في عصور تأججه وخروجه على العالم يقول المؤلف بأنه كان مجتمعا دكتاتوريا مثل كل الأنظمة الديكتاتورية القديمة والحديثة، يملك الحكم في قبضته زعيم أسطوري يبث الرعب أولا في نفوس مخالفيه ومعارضيه بالداخل قبل الخارج فيصبح الجميع في قبضته يحركهم كيف يشاء، ومن اهم مميزات هذا المجتمع الديكتاتوري أنه يتأجج بسرعة رهيبة كالنار التي تضرم في الهشيم فتحرق كل شيء.
وينقلنا الكاتب إلى جنكيزخان وتأسيس إمبراطوريته الذي يعتقد بان ميلاده كان ما بين عامي 1162 م أو 1167م وكان يدعى تيموجين، وهو الابن البكر ليسوكيهه شيخ قبيلة مغولية تسمى كياد، واسم العائلة التي ينتسب إليها الأب هو بورجيكن، وبعد أن قتل الاب في إحدى المعارك مع القبائل التتارية عام 1175 م حيث كان عمر جنكيزخان لا يتجاوز الثالثة عشرة من عمره، وكان لأمه دور هام وبارز في حياته وتجميع الأسرة المستضعفة بعد أن ظهرت علامات القوة والقيادة في ابنها الأكبر جنكيزخان دون إخوته الثلاثة.
وأشار عبد الحكيم إلى شجاعة تيموجين الذي تمكن من المحافظة على مراعي أسرته واستقرارها وتجميع المنشقين من الأتباع والأقارب حوله ثم دخل في صراع مع المعارضين له والإنطواء تحت قيادته وتلك كانت البداية لظهور ملك المغول الأكبر جنكيزخان أو إمبراطور المغول والذي دام حكمه من 1206 حتى 1227، وقد تزوج من زوجته بورثه أو جين وأنجب منها أبناءه: جوجى وشقطاى وأوقطاى وتولوى .
واستعرض المؤلف تأسيس جينكيزخان للإمبراطورية المغولية وكانت البداية أنه نجح في أن تدين قبيلته «قيات» كلها بالولاء له وهو دون العشرين من عمره وواصل خطته في التوسع على حساب جيرانه فبسط سيطرته على منطقة شاسعة من إقليم منغوليا، تمتد حتى صحراء جوبي حيث مضارب عدد كبير من قبائل التتار، ولكنه دخل في صراع مع حليفه رئيس قبيلة الكراييت وكانت العلاقات قد ساءت بينهما بسبب الدسائس والوشايات.
وبعد انتصار تيموجين على حليفه أونك خان أصبح أقوى شخصية مغولية وعرف حينها باسم «جنكيزخان» أي إمبراطور العالم، وبعد ذلك قضى ثلاث سنوات عنى فيها بتوطيد سلطانه والسيطرة على المناطق التي يسكنها المغول حتى تمكن من توحيد منغوليا بأكملها تحت سلطانه.
وسلط الكاتب الضوء على أول غزوات جنكيزخان والتي كانت للإمبراطورية الصينية وخطته في الاستيلاء على مدن جنوب الصين والعاصمة بكين، والهمجية المغولية في حروبهم ومذابحهم للسكان الصينيين.
ومن جهة أخرى وقف عبد الحكيم إلى صراع جنكيزخان مع دولة القراخطائين ومع السلطان علاء الدين الخوارزمي واشتراكه في القضاء على هذه الدولة بمساعدة كوجلك خان، وقضائه على دولة القراخطائين والاستيلاء على أراضها وضمها للإمبراطورية المغولية الجديدة وتهديده العالم الإسلامي والذي أدى فيما بعد إلى نشوب الحرب بين الدولة الخوارزمية وجنكيزخان، وتمكن المغول من السيطرة على إقليم خوارزم وأهم ولايات الدولة.
وفي هذا السياق استعرض المؤلف عودة جنكيز خان إلى دياره سنة 1225 م، بعد فتوحاته وحروبه وانتصاراته على الخوارزميين وانتقامه منهم ومحوه لقلعة باميان وتدميرها وقتل كل مافيها، وبينما هو على فراش الموت رأى جنكيزخان بأن يقسم إمبراطوريته الواسعة بين أبنائه.
وكان من نصيب ابنه جوجى بلاد خوارزم وخراسان والأقاليم الواقعة شمالي بحر آرال وبلاد القفجاق، وكذلك الأقاليم التي تمتد حتى بلغاريا إلا أنه توفي قبل وفاة والده تاركا نصيبه لإبنه باتو، أما جفتاي فقد اختص ببلاد ما وراء النهر وكاشغر وبلخوغزنة، واختص أكتاي بالأراضي التي يجري فيها نهر إميل، وكانت الاراضي الواقعة حول قره قرم من نصيب تولوى.
وتوفي الطاغية جنكيزخان وهو يتجاوز السبعين عاما بعد أن أصابه المرض وذلك يوم 28 أغسطس عام 1227 م، وهكذا انتهى جنكيزخان وخمد تأجج يأجوج ومأجوج والقبائل التتارية المغولية وخلدوا إلى السكون مدة عامين بلا قيادة ولا زعيم يقودهم، ثم عادوا إلى التأجج مرة أخرى على العالم الإسلامي والقارة الأوروبية في الخروج الخامس عشر لهم.
ويرى الكاتب بعد سرده لتاريخ ومسيرة جنكيزخان بأنه لا يمكن إعتباره فاتحا للعالم وإنما مؤسس إمبراطورية استطاعت الإستيلاء على معظم دول العالم لأن الإمبراطورية اتسعت بعد وفاته أضعاف ما كان في حياته، وقد اجتمعت في شخصية هذا الطاغية المغولي الدموي كل صور وأشكال الشر عندما يتملك النفس فيتخلى صاحبها على آدميته ويتحول إلى وحش كاسر يتغذى على أشلاء ضحاياه، أما ذريته من بعده فقد ساروا على نهجه الذي خطه لهم فأكملوا مخططاته الشيطانية وأكملوا غزوهم للعالم واحتلال أراضيه وذبح مواطنيه ونهب ثرواته.