القابها ( صاحبة الهجرتين) ومصلّية القبلتين، وزوجة الشهيدين، وزوجةالخليفتين.
اسماء بنت عميس بن معد بن تميم بن الحارث بن كعب بن مالك بن قحافه وتكني بأم عبد الله .
إحدي الأخوات المؤمنات الاربع اللاتي حصلن على وسام الايمان من رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال:
( الأخوات الأربع المؤمنات : ميمونه وام الفضل وسلمى واسماء).
*قصة اسلامها*
اسلمت قبل ان يدخل المسلمون دار الأرقم بن ابي الأرقم
*وهي زوجه الصحابي البطل جعفر بن ابي طالب رضي الله عنه*
صاحب الجناحين كما يلقبه رسول الله فقد كان صلى الله عليه وسلم اذا اراد ان يسلم على عبد الله بن جعفر قال:
*( السلام عليك يا ابن ذي الجناحين).*
كانت اسماء من المهاجرات الاول , فهاجرت مع زوجها جعفر الى الحبشه وذاقت مرارة الغربة القاسية ولوعتها وكان زوجها خطيب المسلمين أمام ملك الحبشةالنجاشي انذاك.
وفي أرض الغربة ولدت لزوجها جعفر أبناؤه الثلاثه : عبد الله ومحمد وعون وكان ولدها عبد الله شبيها بأبيه جعفر وأبوه شبيها برسول الله فكان ذلك يسعدها ويحرك مشاعر الشوق عندها لرؤيه النبي فقد كان صلي الله عليه وسلم يقول لجعفر: ( اشبهت خلقي وخلقي).
ولما أمر النبي المهاجرين بالتوجه إلى المدينة كادت أسماء تطير فرحا فها هو الحلم قد تحقق وصار للمسلمين دولتهم فسيكونوا جنودا في جيش الاسلام لنشر دعوته واعلاء كلمه الله.
وهكذا خرجت أسماء رضي الله عنها مع الركب في هجرته الثانية من أرض الحبشه إلى المدينة وما أن وصل الوفد المهاجر الى المدينه حتي سمع المسلمون بسقوط خيبر وانتصار المسلمين وارتفع التكبير في كل مكان فرحا بانتصار الجيوش وبعودة المهاجرين من الحبشه.
ويتقدم جعفر من الرسول فيتلقاه بالبشر ويقبل جبهته ثم يقول :
*( والله ما أدري بأيهما أفرح بفتح خيبر أم بقدوم جعفر).*
ودخلت أسماء على حفصة بنت عمر تزورها فدخل عمر على حفصة وأسماء عندها فقال عمر حين رأي أسماء من هذه؟
قالت: أسماء بنت عميس.
قال عمر: هذه الحبشية البحرية؟.
قالت أسماء : نعم.
قال عمر: سبقناكم بالهجره فنحن أحق برسول الله صلى الله عليه وسلم منكم.
وغضبت أسماء ولم تتمالك نفسها فقالت: كلا والله كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يطعم جائعكم ويعظ جاهلكم وكنا في دار أو فى أرض البعداء والبغضاء بالحبشة وذلك في الله وفي رسوله صلي الله عليه وسلم.
وسكتت هنيهه ثم تابعت: وايم الله لا اطعم طعاما ولا اشرب شرابا حتي أذكر ما قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن كنا نؤذي ونخاف وسأذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم وأسأله والله لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد عليه.
فلما جاء النبي صلي الله عليه وسلم قالت له أسماء: يا نبي الله إن عمر قال كذا وكذا.
قال رسول الله صلي الله عليه وسلم فما قلت له؟ قالت: قلت له: كذا وكذا.
فقال عليه افضل الصلاه والسلام : ( ليس بأحق بي منكم وله ولأصحابه هجرة واحدة ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان).
وغمرت السعاده قلب أسماء بشهادة النبي وشاع خبر حديث رسول الله بين الناس وبدأ الناس يفدون على أسماء يستوضحون الخبر فتقول اسماء: فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السفينه يأتوني أرسالا يسألوني عن هذا الحديث ما من الدنيا شيء هم به أفرح ولا أعظم في أنفسهم مما قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم.
ولما توجه جيش المسلمين إلى الشام كان من بين أمرائه الثلاثه زوج اسماء جعفر وهناك في أرض المعركه اختاره الله ليفوز بالشهادة في سبيل الله.
ويأتي رسول الله إلى بيت أسماء ويسأل عن الصبيان الثلاثة فيضمهم اليه ويشمهم ويمسح رؤوسهم وتذرف عيناه الشريفتان بالدموع.
فقالت له اسماء والجزع قد ملأ كيانها: بأبي أنت وأمي ما يبكيك ؟ أبلغك عن جعفر وأصحابه شيء؟ قال: نعم أصيبوا هذا اليوم.
ولم تتمالك اسماء نفسها من البكاء فواساها صلي الله عليه وسلم وقال لها: ( تسلبي ثلاثا ثم اصنعي ما شئت).
ثم قال عليه الصلاه والسلام لاهله: (اصنعوا لاهل جعفر طعاما فإنه قد جاءهم ما يشغلهم).
ولم يكن للمرأة المؤمنة إلا أن تجفف الدموع وتصبر وتحتسب عند الله الأجرالعظيم بل باتت تتمني لو كانت مع زوجها لتفوز بالشهادة مثله وخاصه عندما سمعت أحد رجال بني مرة بن عوف يقول وكان في تلك الغزوه والله لكأني انظرإلى جعفر حين اقتحم عن فرس له شقراء ثم عقرها ثم قاتل حتي قتل وهو يقول:
*ياحبذا الجنه واقترابــها طيبه وباردا شرابها والروم روم قد دنا عذابها كافره بعيده انابها*
ثم أخذ اللواء بيمينه فقطعت فاخذه بشماله فقطعت فاحتضنه بعضديه حتى قتل رضي الله عنه.
وتدرك أسماء رضي الله عنها معنى قول الرسول لولدها: (السلام عليك يا ابن ذي الجناحين).
فقد ابدله الله عن يديه المقطوعتين جناحين يطير بهما حيث شاء.
وتنكب الأم الصالحة الصابرة على تربية أطفالها الثلاثه وتنشئهم على الاقتداء بسيرة أبيهم الشهيد الطيار وطبعهم بطابع الايمان .
*زواجها من ابي بكر*
ولم تمض فتره طويله حتي يتقدم أبو بكر رضي الله عنه خاطبا لأسماء
وذلك بعد وفاه زوجته أم رومان رضي الله عنها.
ولم يكن لأسماء أن ترفض مثل الصديق وهكذا انتقلت الى بيت الصديق لتستلهم منه المزيد من نور الحق والإيمان ولتضفي على بيته الحب والوفاء.
وبعد فترة من الزواج المبارك من الله عليهما فرزقت منه بولد وهي بذي الخليفة وهم يريدون حجة الوداع فأمرها أبو بكر ان تغتسل ثم تهل بالحج بعد ان سأل رسول الله عن ذلك.
ثم شهدت أسماء من الأحداث الجسام الكثير والكثير وكان أشدها وفاة سيد ولد آدم وانقطاع الوحي من السماء.
ثم شهدت زوجها ابا بكر خليفه المسلمين وهو يواجه أعضل المشكلات يومئذ كقتال المرتدين ومانعي الزكاة وبعث جيش أسامة وكيف وقف كالطود لا يتزحزح ولا يتزعزع وكيف نصر الله المسلمين بتلك المواقف الإيمانية الجريئة.
وكانت أسماء تسهر على راحة زوجها وتعيش معه بكل مشاعرها حامله معه عبء الأمة الكبير.
ولكن ذلك لم يدم طويلا فقد مرض الخليفة الصديق واشتد عليه المرض وأخذالعرق يتصبب من وجنتيه فأس بشعور المؤمن الصادق بدنو أجله فسارع بوصيته وكان من جملة ما أوصي به: أن تغسله زوجته أسماء بنت عميس رضي الله عنها وكما عزم عليها أن تفطر قائلا لها: هو أقوى لك.
وشعرت أسماء بقرب الفاجعة فاسترجعت واستغفرت وهي لا تميل بنظرها عن وجه زوجها الذي علاه الذبول الى ان أسلم الروح الى بارئها فدمعت العين وحزن القلب ولكنها لم تقل إلا ما يرضي الرب تبارك وتعالى فاحتسبت وصبرت.
ومن ثم قامت بالمهمة التي طلبها منها زوجها الفقيد حيث كانت محل ثقته فبدأت بتغسيله وقد أضناها الهم والحزن فنسيت وصيته الثانيه فسألت من حضر من المهاجرين قائلة: إني صائمة وهذا يوم شديد البرد فهل علي من غسل ؟ فقالوا: لا.
وفي آخر النهار وبعد أن ووري جثمان الصديق تذكرت أسماء وصية زوجها الثانية فقد عزم عليها ان تفطر فماذا عساها تفعل الآن ؟ فالوقت آخر النهار وماهي إلا فترة وجيزة وتغيب الشمس ويفطر الصائم.
فهل تستجيب أسماء لعزيمة زوجها ؟ أم تنتظر لحظات؟
إن الوفاء للزوج أبى عليها أن ترد عزيمة زوجها الراحل فدعت بماء وشربت وقالت: والله لا أتبعه اليوم حنثا.
ولزمت أسماء بيتها ترعي أولادها من جعفر ومن أبي بكر الصديق وتحدب عليهم سائلة الله أن يصلحهم ويصلح بهم ويجعلهم للمتقين إماما وهذا غاية ما كانت ترجوه من دنياها غير عالمة بما يفاجئها من القدر المكنون في علم الله.
فها علي بن أبي طالب رضي الله عنه أخو جعفر الطيار ذي الجناحين يتقدم لأسماء طالبا الزواج منها وفاءا لاخيه الحبيب جعفر ولصاحبه الصديق رضي الله عنهما.
وبعد تردد وتقليب للامور من كل جوانبها قررت الموافقة على الزواج من علي لتتيح له بذلك الفرصة لمساعدتها في رعاية أولاد أخيه جعفر.
وانتقلت معه إلى بيته بعد وفاة فاطمة الزهراء رضي الله عنها فكانت له خيرالزوجة الصالحة وكان لها خير الزوج في حسن المعاشرة وما زالت أسماء ترتفع وتسمو في عين علي رضي الله عنه حتي أصبح يردد كل مكان: ( كذبتكم من النساء الحارقة فما ثبتت منهن امرأه إلا أسماء بنت عميس).
ويكرم الله عليا ويرزقه الولد من أسماء فولدت له محمد ويحيى وتمر الأيام ويشاهد علي منظر ولدا لاخيه جعفر يتشاجر مع محمد بن ابي بكر وكلا منهما يتفاخر على الاخر ويقول: أنا أكرم منك وأبي خير من أبيك.
ولم يدر علي ماذا يقول لهما؟ وكيف يصلح بينهما بحيث يرضي عواطفهما معا؟؟
فما كان منه إلا أن استدعى أمهما أسماء وقال لها: اقضي بينهما.
وبفكر حاضر وحكمة بالغة قالت : ما رأيت شابا من العرب خيرا من جعفر ولا رأيت كهلا خيرا من أبي بكر.
وهكذا انتهت المشاجرة وعاد الصغيران إلى التعانق واللعب ولكن عليا المعجب بحسن القضاء بين الأولاد نظر في وجه زوجته العاقلة قائلا: ماتركت لنا شيئا يااسماء!!
وبذكاء حاد وشجاعة نادرة وأدب جم قالت:إن ثلاثة أنت أخسهم خيار ولم يستغرب على مقالة زوجته العاقلة فقال لها بكل شهامه ومروءه نادره: لو قلت غير الذي قلت لمقتك.
واختار المسلمون علي خليفة بعد عثمان بن عفان رضي الله عنه وأصبحت اسماءللمرة الثانية زوجا لأمير المؤمنين رابع الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم
أجمعين..
وكانت أسماء على مستوى المسؤولية كزوجة لخليفة المسلمين أما الأحداث العظام فدفعت بولديها عبد الله بن جعفر ومحمد بن أبي بكر إلى جانب أبيهما لنصرة الحق.
ثم ما لبثت طويلا حتي فجعت بولدها محمد بن أبي بكر وكان أثر هذا المصاب عليها عظيما ولكن أسماء المؤمنة لا يمكن لها أن تخالف تعاليم الإسلام فما كان منها إلا أن تجلدت واستعانت بالصبر والصلاه على ما ألم بها وما زالت تكتم حزنها حتي شخب ثدياها دما.
وما كاد العام ينتهي حتي ثقلت وأحست بالوهن يسري في جسمها سريعا ثم فارقت الحياة وبقيت رمزا على مدار التاريخ بعد أن ضربت لنا أعظم النماذج في الحكمة والصبر على الشدائد.