{{{يسأل : هل يشعر بما يحدث له ولروحه بعد الموت .}}}
السؤال
سؤال مهم أتمني معرفة جواب له ، فقد بحثت كثيراً عبر الانترنت ولم أجده ، بعد الموت عندما يأخذ روحي ملك الموت ومن ثم يعطيها للملائكة تكفني بكفن من الجنة ، فهل أشعر بذالك ؟ وهل أشعر وأري الملائكة ، وهي تصعد بي في السماء ، ويفتح لي ملائكة السماء ، وهم يقولون : من هذا الروح الطيب ، ويقولون : هذا فلان ، هل أشعر وأري بكل هذا ؟ وأسمع صوت الله عندما أصعد للسماء السابعة ، وهو يقول : انزلوا به للأرض ، وماذا يحدث لي ، أو أين أذهب عندما أنزل للأرض ؟ وهل أري جسدي وهو يغسل ، أو وهم يذهبون بي إلي القبر ؟
الجواب
الحمد لله.
أولا :
هذه الأمور من أمور الغيب التي يجب على المسلم فيها التسليم ، ولا يسأل عن الكيفية ، فإن حياة البرزخ لا يعلم أحد كيفيتها وحقيقتها إلا الله .
والروح مخلوقة كسائر المخلوقات ، وعلم حقيقتها من اختصاص الله عزّ وجلّ ، استأثر عزّ وجلّ بعلمه كما جاء في الحديث عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : بَيْنَا أَنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَرْثٍ وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى عَسِيبٍ إِذْ مَرَّ الْيَهُودُ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : سَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ ، فَقَالَ : مَا رَأْيُكُمْ إِلَيْهِ ؟ وَقَالَ بَعْضُهُمْ : لا يَسْتَقْبِلُكُمْ بِشَيْءٍ تَكْرَهُونَهُ . فَقَالُوا : سَلُوهُ ، فَسَأَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ ، فَأَمْسَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ شَيْئًا ، فَعَلِمْتُ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ ، فَقُمْتُ مَقَامِي فَلَمَّا نَزَلَ الْوَحْيُ قَالَ : ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا) ، رواه البخاري .
وقد وصف الله تعالى في كتابه والرسول صلى الله عليه وسلم في سنته الروح بجملة أوصاف منها : القبض والوفاة ، وأنها تصفد وتكفن وتجيء وتذهب ، وتصعد وتهبط وأنها تسل كما تسل الشعرة من العجين .. فالواجب إثبات هذه الصفات الواردة في الوحيين ، مع العلم بأن الروح ليست كالبدن .
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
إن موت الإنسان يعني خروج الروح من الجسد ، وعندما يدفن في القبر هل ترد الروح إلى جسده أم أين تذهب؟ وإذا كانت ترد الروح إلى الجسد في القبر فكيف يكون ذلك ؟
فأجاب:
" ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الميت إذا مات فإنها تعاد روحه إليه في قبره ، ويسأل عن ربه ودينه ونبيه ، فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ، فيقول المؤمن: ربي الله ، وديني الإسلام ، ونبيي محمد ، وأما الكافر أو المنافق فإنه إذا سئل يقول: ها، ها لا أدري ، سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته .
وهذه الإعادة- أعني إعادة الروح إلى البدن في القبر- ليست كحصول روح الإنسان في بدنه في الدنيا؛ لأنها حياة برزخية ولا نعلم كنهها، إذ إننا لم نخبر عن كنه هذه الحياة .
وكل الأمور الغيبية التي لم نخبر عنها ، فإن واجبنا نحوها التوقف ؛ لقول الله تعالى : ( وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ) الإسراء/36 . انتهى من " فتاوى نور على الدرب للعثيمين" (4/ 2) بترقيم الشاملة .
ثانيا :
لا يرى الميت جسده وهو يغسل أو يحمل إلى القبر ؛ لأن الروح قد خرجت منه ، ولن تعاد له إلا وهو في قبره عند الامتحان .
وأما مصير الروح فإن روح المؤمن عندما تنزل من السماء ، تعاد إلى جسدها الذي كانت فيه ثم يُسأل صاحبها في القبر فيثبته الله بالقول الثابت ، ويفسح له في قبره مد البصر.
أما إذا كانت روح كافر فإن الملائكة يبشرونها بالنار وسخط الله ، ثم يصعدون بها ، مقبوحةً ذليلة خائفة ، فلا تفتح لها أبواب السماء ، ثم تعاد إلى جسدها ، فيفتن صاحبها في قبره ويضيق عليه ، ويأتيه من حر النار وسمومها .
وجاء تفصيل ذلك في حديث الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ الطويل ، وقد ذكرناه بلفظه في السؤال رقم (8829) .
غير أن عودة الروح إلى الجسد عند السؤال : هي عودة خاصة ، ليست تكون كهيئته في الدنيا ، كما سبق ، وإنما هي عودة برزخية ، وحياته وسؤاله وجوابه : إنما هي أحوال برزخية ، ليست كحاله في الدنيا ، والله أعلم بكيفيتها ، وصفتها .
قال الشيخ ابن عثيمين :
" يجب علينا -أيها الإخوة- أن ما أخبر الله به من أمور الغيب أن نقول: آمنا وصدقنا، ولا نورد إيرادات؛ لأن الأمر فوق مستوى عقولنا، وهذه قاعدة في أمور الغيب المتعلقة بالله عز وجل أو بمخلوقاته...
أمور الغيب لا يمكن أن يجرى عليها كلمة (لم) أبدا، ولا كلمة: (كيف) لأن الأمر فوق عقولنا... ولهذا لما سألوا الرسول عن الروح ماذا قال الله لهم؟ قال: ( قل الروح من أمر ربي ) أمر ما تستطيعون أن تدركوه، ( وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) [الإسراء:85] سبحان الله! يعني: هل عثرتم على كل العلوم إلا علم الروح؟!! أكثر العلوم فاتتكم وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ، وهذا عجب! روحك التي بين جنبيك والتي لا قوام لك إلا بها لا تدري ما هي ؟! نحن لا نعلم من الروح إلا ما جاءت به النصوص في القرآن والسنة وإلا فلا ندري " انتهى من "لقاءات الباب المفتوح" اللقاء (169) .
والله أعلم .