أسواق دمشق قبيل العيد: زحام لـ"الفُرجة" وإقبال معدوم على الشراء
تمرّ العشر الأواخر من رمضان ثقيلة على كاهل السوريين المقيمين في مناطق سيطرة قوات النظام السوري مع ارتفاع الأسعار الذي انعكس على القدرة الشرائية للأهالي. وبالرغم من الزحام الذي بدأت تشهده بعض الأسواق في العاصمة دمشق إلا أن حركة الشراء ظلّت ضعيفة جدا.
يسلط هذا التقرير الضوء على واقع الأسواق التجارية بدمشق في الأيام الأخيرة المتبقية من شهر رمضان المبارك، والتي كانت تشهد في السنوات الماضية ازدحاماً من الأهالي مع طلب على شراء المنتجات. أما اليوم فالأسواق تشهد ازدحامات لـ"الفرجة فقط" بينما الإقبال على الشراء "معدوم" وباتت ملامح التحضيرات للعيد باهتة حزينة.
الملابس الجديدة خارج حسابات السوريين
حال تدهور القدرة الشرائية لأغلبية الناس، بينهم وبين الفرح بشراء الملابس الجديدة مع قدوم العيد، ولا سيما مع الغلاء الفاحش الذي تشهده مناطق سيطرة النظام؛ إذ تحول شراء بنطال أو حذاء إلى مشروع تلزمه ميزانية جديدة وإعادة حسابات؛ وقد يتطلب الأمر الاستدانة إذا كان لا بد من الشراء.
في حديثه لموقع تلفزيون سوريا، يخبرنا (أبو علاء الداموني) الذي يملك محلاً للألبسة الرجالية، عن تراجع حركة البيع مقارنة بالأعوام الفائتة ولا سيما خلال العيد، واصفاً ازدحام الناس في الشوارع بـ "الحركة بلا بركة"؛ إذ إنهم باتوا ينزلون إلى الشوارع والأسواق بهدف المشي أو ملاقاة الأصدقاء لا بهدف الشراء.
يقول أبو علاء: "يتعمد بعض الناس تأجيل شراء الملابس إلى بعد العيد أملاً منهم بنزول الأسعار، رغم أننا أعلنا عن تخفيضات حقيقية على الملابس على واجهات محالنا بمناسبة العيد".
يُذكر أن أسعار بعض قطع الملابس تجاوزت مرتّب الموظف الحكومي، إذ وصل سعر البنطال الشبابي في بعض المحال إلى أكثر من 400 ألف ليرة سورية؛ ما يعادل راتب موظف حكومي "من الفئة الأولى". وتتفاوت الأسعار بين سوق وآخر بحسب "درجة رقي" المنطقة الواقع فيها السوق، فالأسعار في سوق كراج الست مختلفة عن الأسعار في سوق الجسر الأبيض.
وهو ما لاحظناه خلال جولة لموقع تلفزيون سوريا في سوق الحمراء وسط دمشق، إذ إنّ قلة من الناس يحملون أكياساً تشير إلى كونهم قاموا بشراء شيء ما، بينما البقية يسيرون وهم يتبادلون الأحاديث ويتفرّجون على القطع المعروضة على واجهات المحال التجارية.
وبلقاء لموقع تلفزيون سوريا مع إحدى النساء في السوق، أخبرتنا بصراحة أنها قد نزلت مع بناتها بقصد الترويح عن النفس، تقول: "نزلنا نتفرّج ونغيّر جو.. الإنسان يشعر بالفرح عندما يشاهد لمّة الناس والزحمة قبل العيد، حتى إن لم يستطع الشراء".
التاجر خاسر رغم الغلاء
ازدادت شكاوى التجار في الآونة الأخيرة؛ لتفاقم الفجوة بين أرباحهم من جهة وكلفة تشغيل محالهم من جهة ثانية، ولا سيما بعد اضطرارهم إلى الاشتراك بنظام الأمبيرات أو تشغيل مولدات الكهرباء الخاصة، فضلاً عن أجور العمال والموظفين لديهم.
يتابع (أبو علاء) حديثه: "اشتركنا بنظام الأمبيرات أسوةً ببقية المحال في الشارع، فلم يعد منطقياً الاعتماد على "كهرباء الدولة"، لكن التكاليف صارت أكبر من البيع نفسه لأنّ السوق ميّت... ما عادت توفّي معنا".
وقد اعتمدت بعض الأسواق في دمشق وريفها بشكل شبه كامل على نظام الأمبيرات في الأشهر الأخيرة، إذ شهدت دمشق انتشاراً كبيراً لمولدات الأمبيرات في الشوارع، التي وصل عددها إلى اثنتين أو ثلاث في الشارع الواحد، كما في الشعلان والحمراء والسبع بحرات؛ الأمر الذي انعكس على إضاءة الشوارع أيضاً التي عجزت عنها حكومة النظام.
مبادرات شحيحة في دمشق لـ "كسوة العيد"
أطلقت جمعيات خيرية وفرق تطوعية في مدينة دمشق وريفها، مبادرات من أجل تأمين ملابس للأطفال إما عن طريق جمع التبرعات لشراء الملابس أو عن طريق التبرع بها من قبل الشركات التجارية ومعامل تصنيع الألبسة.
اعتمدت جمعية حفظ النعمة التابعة للهلال الأحمر السوري على جمع تبرعات تحت عنوان "ألبسة العيد للأيتام والمساكين" بمساهمة قيمتها 750 ألف ليرة سورية للفرد الواحد. ووفق إحصائيات الجمعية على صفحتها الرسمية على فيسبوك؛ فقد وصلت المساهمات إلى 61 عائلة حتى تاريخ 24 من آذار الماضي.
يُذكر أن استلام الألبسة للعائلات المستحقة لها، يكون من "متجر حفظ النعمة"؛ الذي يدعوه السوريون بالمول المصغّر في منطقة باب مصلى، إذ يأخذ المستحقون من الألبسة ما يعادل قيمة التبرع.
ازدحام في الشوارع وأمام المطاعم
من جانب آخر، عاودت المطاعم والمقاهي فتح أبوابها في فترة ما بعد الإفطار وحتى منتصف الليل، بدءاً من منتصف شهر رمضان بعد أن كانت قد أغلقت بسبب أعمال الصيانة والجرد في أول أسبوعين من الشهر الكريم.
وقد شهدت الأيام العشر الأخيرة من رمضان ازدحاماً كبيراً في الشوارع، ولا سيما في مناطق حيوية وسط دمشق مثل شارع الحمراء والشعلان وباب توما والقصاع وأحياء القيمرية والميدان والجزماتية. الأمر الذي انعكس بدوره على حركة السير؛ إذ عاودت حافلات النقل العامل والميكرو باص العمل بعد الإفطار ممّا قلل من اضطرار الناس إلى ركوب التكاسي الخاصة لتخفيف شيء من تكاليف النقل.
وعلى الرغم من أن حركة الشراء "ميتة" وفق وصف التجار وأصحاب المحال، إلا أنّ مطاعم الوجبات السريعة "السناكات" ومحال الكوكتيل والعصير تشهد ازدحاماً كبيراً بالناس الذين صار الخروج إلى المطعم بالنسبة إليهم حالة من الرفاهية والطريقة الأفضل لتوطيد العلاقات الاجتماعية مع الأقارب والأصدقاء.
لم تفقد أعياد السوريين بهجتها فقط، بل أصبحت عبئاً يثقل كاهلهم، ففي مناطق النظام صار العيد حكراً على القلة من أصحاب الأموال وأغنياء الحرب، بينما يداري الفقراء عجزهم أمام أطفالهم بحرمان أنفسهم، تقول (خولة): "المهم الولاد يفرحوا حتى لو اضطررنا إلى الاستدانة".