مخيمات الشمال السوري.. انعدام وسائل النقل يحرم الطلبة من المدارس
أطفال يركبون سيارة تنقلهم من المدرسة إلى مخيم بريف إدلب الشمالي - 1 من أيار 2023 (عنب بلدي/ إياد عبد الجواد)
إدلب – أنس الخولي
تهرول مريم مسرعة كل صباح من بيتها في مخيم “الفاروقية” الطيني بمنطقة سلقين باتجاه مدرستها في قرية حير جاموس شمالي إدلب، لتقطع مسافة ثمانية كيلومترات مشيًا على طريق وعرة، وسط مخاوفها من كلاب شاردة تلاحقها.
تدرس الطالبة مريم أيمن محمد (17 عامًا) في الصف الثالث الثانوي (بكالوريا علمي)، وقالت لعنب بلدي، إن المشي هو الحل الوحيد من أجل الوصول إلى مدرستها، لعدم وجود مدارس في المخيم، وغياب وسائل النقل العامة، وارتفاع تكاليف النقل الخاص.
وذكرت أن الذهاب إلى المدرسة بات مشكلة تؤرقها وسط انعدام الحلول وعدم قدرة والدها على تحمل التكاليف، ولا تغامر بركوب وسائل نقل غير معروفة مارة في الطريق خوفًا من التحرش أو الخطف، لافتة إلى أن أشقاءها الثلاثة (مرحلة ابتدائية) يتغيبون عن المدرسة في الشتاء لصعوبة الطريق.
تقاوم الشابة الظروف من أجل أن تكمل تعليمها، بينما ابتعد طلبة عن مقاعد الدراسة لأسباب التنقل نفسها، حيث تقيم مريم في مخيم طيني معروف بمخيم “الفاروقية”، الذي أُنشئ عام 2017 من قبل “الهلال الأحمر القطري” بشكل عاجل لإيواء النازحين (بني المخيم الطيني على أنه صالح للسكن لمدة خمس سنوات فقط، على يتم بعدها نقل النازحين لمخيمات أخرى أفضل).
بدوره، قال محمود الأحمد (53 عامًا)، وهو مهجر من ريف حماة يقيم في مخيم “الفاروقية” الطيني، إن أبناءه الثمانية اضطروا إلى ترك الدراسة، بسبب مشكلة التنقل من المخيم إلى مدارس البلدات المجاورة، لافتًا إلى أنه غير قادر على تحمل تكلفة الدروس الخصوصية كونها كانت مقترحًا بديلًا.
ويعاني التلاميذ في المخيمات النائية شمالي إدلب من عدم وجود مدارس داخل مخيماتهم، بسبب عدم وجود عدد كافٍ من الطلاب لافتتاح مدارس، وانعدام وسائل النقل والمواصلات العامة التي تقلهم من منازلهم إلى مدارسهم ما يزيد من معاناتهم، ويضطر العديد منهم لترك مقاعدهم الدراسية.
ويتشابه حال الطلبة في مخيم “الفاروقية” مع حال الطلبة في عشرات المخيمات شمالي سوريا، التي يتراوح عددها بين 1400 مخيم (وفق تقارير أممية) و1800 مخيم وفق جهات محلية، ومخيمات نشأت حديثًا بعد الزلزال الذي ضرب المنطقة في شباط 2023.
نقل بجهود فردية أو “توصيلة”
تختلف وسائل تنقل الأهالي في الشمال السوري، أبرزها الاعتماد على الدراجات النارية، وهي وسيلة رخيصة لكنها لا تلبي جميع الاحتياجات كما أنها خطرة في حالة وقوع حوادث.
وتنشط بعض المبادرات المحلية القائمة على التنسيق بين طلاب وأصحاب حافلات لنقلهم من نقطة محددة إلى مدرسة قريبة، كما في حالة الطالب علي إبراهيم، الذي تدفع عائلته 60 ليرة تركية أسبوعيًا كأجور تنقله من بلدة كفربني إلى جارتها حربنوش.
علي، الطالب في الصف العاشر، يتوجه من مخيمه قرب كفربني مشيًا لنحو كيلومترين إلى وسط البلدة، ثم يخرج مع زملائه في حافلة إلى الثانوية في حربنوش التي تبعد ستة كيلومترات.
وفي حال تعطلت الحافلة، فإن الطلاب يتدبرون أمورهم بنفسهم، إما بالعودة إلى منازلهم وإما بانتظار سيارة أو دراجة نارية تقلّهم، بحسب ما قاله الطالب لعنب بلدي.
وتنتشر في الشمال ظاهرة الاعتماد على سيارات عامة للوصول إلى المكان المنشود، وتحمل مخاطر على “عابر السبيل” وعلى السائق، في طرقات تشهد حوادث سير بشكل شبه يومي.
وبحسب شهادات لعنب بلدي من مخيم “البكري” قرب قرية دير سيتا بريف إدلب الشمالي، فإن معظم قاطني المخيم يرسلون أولادهم إلى مدرسة القرية التي تبعد نحو كيلومترين، عبر سيارات عامة دون معرفة سائقها (مجهولة).
ويركب الأطفال في الصناديق الخلفية للسيارات، وهو السبيل المتاح أمام الأهالي، وخيارات الطلاب الأخرى هي إما المشي وهو مرهق، وإما توقفهم عن الدراسة.
“الخصوصية” أزمة أخرى
أمام هذه الصعوبات، تبقى الخيارات ضيقة أمام الأهالي، والحلول تبدو مستحيلة لأن الواقع التعليمي يعاني من مشكلات شمال غربي سوريا، ويضطر بعض الأهالي لتعويض النقص باللجوء إلى الدروس الخصوصية التي أثقلت كاهلهم بمصاريف إضافية.
والد الطالبة مريم (50 عامًا)، قال لعنب بلدي، إن لديه أربعة أبناء في المدارس، يذهبون إليها مشيًا، وفي الشتاء يتغيب أطفاله الصغار لصعوبة الوصول، لأن أقرب المدارس المتاحة تبعد ثمانية كيلومترات.
وأضاف أنه رغم المشي، فإن تكاليف تدريس أطفاله الأربعة مرتفعة من مستلزمات وغيرها، وقد تصل إلى 100 دولار أمريكي شهريًا، ويعتمد في تأمينها على “أهل الخير من المتبرعين” لعدم توفر فرص عمل له، معتبرًا أن خيار “الدروس الخصوصية” مستحيل.
وتنتشر في إدلب ظاهرة الدروس الخصوصية للطلاب خاصة في صفي التاسع و”البكالوريا”، سواء تدريسهم في المنزل أو استقبالهم في المعاهد، وتزيد تكاليف هذه الدروس في العام الواحد للتلميذ على 200 دولار أمريكي، وهذا المبلغ يختلف من مدرس لآخر.
توجهت عنب بلدي ببعض الأسئلة لمديرية التربية متعلقة بغياب بعض المدارس عن المخيمات، وصعوبة التنقل أمام الطلاب، وسبل تعويضهم عن الدروس التي تفوتهم بسبب الغياب المتكرر، لكنها لم تتلق ردًا حتى لحظة نشر هذا التقرير.
مليون طفل خارج المدرسة
ذكر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، أن التصعيد العسكري في مناطق شمال غربي سوريا أثّر بشكل كبير في إمكانية الوصول إلى خدمات التعليم لـ2.2 مليون طفل بسن المدرسة، وفق تقرير له في تشرين الثاني 2023.
وأضاف أن 2.2 مليون طفل في سن المدرسة يقيمون شمال غربي سوريا، منهم مليون واحد على الأقل خارج المدرسة، لافتًا إلى أن الوضع مأساوي بشكل خاص في مخيمات النزوح.
ولا يوجد لدى 57% من الأطفال وصول إلى المدارس الابتدائية، و80% لا يوجد لديهم وصول إلى المدارس الثانوية، وفق تقرير للمكتب صدر في 3 من تشرين الثاني 2023.
وفي تشرين الثاني 2023، قال مدير التربية والتعليم في مدينة إدلب، أحمد الحسن، لعنب بلدي، إن مدارس المنطقة تشهد نقصًا بالكتب المدرسية، وإن 500 ألف طالب يحتاجون إلى الكتب.
وأرجع الحسن أسباب النقص إلى انتهاء مذكرات التفاهم مع جهات مانحة لتقديم الكتب في السنوات السابقة، إذ انتهت أواخر عام 2022.