منقول للفائدة
السؤال:
السلام عليكم، لي أخت أصغر مني، أمي اكتشفت أنها تحادث شابًّا عن طريق (الماسنجر)، وأخبرتني أمي عن طريق الهاتف أنها تشك في أمري أيضًا.
في الحقيقة لي علاقات عن طريق (الماسنجر) والهاتف، ولكني بدأت بقطعها، لا أعلم كيف أواجه أمي أو كيف أتصرف معها؟ علمًا بأني لم أواجهها حتى الآن؛ وذلك لأني أعمل بمنطقه أخرى وأبي مرافق لي.
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
حياكِ الله أختي الكريمة، ومرحبًا بكِ معنا في شبكة (الألوكة).
لست أدري هل استشارتك حول كيفية إخبار الوالدة أو للاستفسار عن أحقية الوالدة في معرفة تلك الأمور عنكِ, أو حول كيفية الخلاص من تلك العلاقات بشكل عام؟
على كل حال علينا أن ندرك الآن أهميةَ الإقلاع الفوري عن تلك العلاقات التي باتت واضحة الخطورة عليكِ؛ إذ تخشين معرفةَ الوالدة، وتخشين فضيحة الدنيا التي لا تساوي شيئًا مقارنة بفضيحة الآخرة.
إذًا؛ دعينا نعترف أولاً بأنَّه أمر لا مفرَّ من تركه، وأن خطورته لا تقتصر على حياتكِ الأخروية - على أهميتها - بل تمتد للحياة الدنيا، وتؤثر عليها سلبًا، سواء في المجال النفسي أم الاجتماعي أم الأسري.
ثانيًا: عليكِ عزيزتي أن تصحّحي النية، فما حدث لأختكِ جعلك في موقف حرج, أليس كذلك؟
هذا والوالدة بشر لا تملك من أمرها أو أمركن شيئًا, إلا أنَّ معرفتها بالأمر فيه من الخطورة والإحراج والقلق والاضطراب النفسي ما فيه, فكيف بمن يملك أمورنا كلها؟ كيف بمن لا يعجزه شيء؟ كيف بمن وهبنا ورزقنا أعيننا وآذاننا وألسنتنا و...؟ ألا ينبغي لنا أن نجعل الحياء والخوف منه أولاً؟!
فترك تلك العلاقات سيكون لأجل أنَّها محرمة، قبل أن يكون لأجل إنسان كائنًا من كان؛ لأن الذي حرمها أحقُّ أن يعبد، وأحق أن يُخشى ويُستحيا منه.
ثالثًا: لا أظنه يَخفى عليكِ نظرة الشباب - بمن فيهم مَن يحادثونكِ - لكل فتاة تتحدث إليهم، فالكثير منهم يعلن بكل صراحة أنه فور إغلاقه الهاتف أو صفحة المحادثة يبقى يسب فيمن كان يطيب لها الحديث ويلين لها الكلام قبل لحظات!
والبعض الآخر يقول: أسميها في جوالي: الساقطة, أو التافهة, أو الرخيصة, إلى غيرها من المسميات التي لا تخطر لتلك المسكينة على بال, من حلاوة ما يقول لها ذلك الخبيث.
فإحاطتكِ بمثل هذه الأمور قد تيسِّر عليكِ أمر ترك وقطع تلك العلاقات نهائيًّا وبشكل أسرع.
رابعًا: كثير من الفتيات يعتقدن أن الإفصاح عن تلك العلاقات، وإخبار الأهل من باب التوبة, أو أنه قد يريحهن من عذابات تأنيب الضمير, وهذا عجيب، بل فيه مخالفة صريحة للحديث المتفق عليه: ((كل أمتي معافى إلا المجاهرين, وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً، ثم يصبح وقد ستره الله، فيقول: يا فلان، عملت البارحة كذا وكذا, وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه)), فلا علاقةَ لمعرفة الأهل بما يقترف الأبناء من ذنوب إلاَّ علاقة سلبية.
فما أنصحكِ به أن تستري نفسك، وألا تعترفي للوالدة بشيء مما فعلت, بل لا مانعَ من الإنكار عندما تسألك سؤالاً مباشرًا, وليكن باستخدام التعريض في الحديث.
خامسًا: أختكِ الصغيرة - كما يبدو - تمر الآن بمرحلة المراهقة، أو قد تجاوزتها بقليل, ومثل هذه الفئة العمرية ترى في الصداقات الوهمية عبر (الإنترنت) أو الهواتف النقالة عزاءً كبيرًا, أو نوعًا من تعويض الحرمان، أو كبت المشاعر داخل البيوت، التي تنجم عن البعد النفسي بين الأم وبناتها غالبًا, فالأم في الغالب لا تحادث بناتِها وتشاركهن همومهن, لا تُحاول أن تبني جسورَ الصداقة الحقيقية بينها وبينهن, قد ترى أنه من غير اللائق أن تشاركهن بعض الألعاب المرحة، أو تبادلهن الطرائف والترويح عن النفس, وهنا يحدث عطش عاطفي لدى الفتيات، تحتاج إلى من يكون أكثر قربًا منها، تبثُّه همومها، وتجد معه مساحة أكبر في التعامل, ولا خير ممن لا يعرفها شخصيًّا، فتنزلق أقدامها شيئًا فشيئًا.
لهذا؛ أنصحكِ أن تجلسي مع الوالدة جلسة صريحة ودِّية توضحي لها حاجتكِ وأختكِ كفتيات للشعور بالقرب الشديد منها، وإرواء ذلك العطش الذي تعانيه فتاةٌ في هذا العمر, وبإمكانكِ أن تجعلي الحوار حول أختكِ فقط إن كنتِ تستشعرين حياءً في الحديث عن نفسكِ, كما أنَّ معرفةَ الوالدة باهتمامكِ بأمر أختك بشكل عملي قد يصرفها عن أمركِ، ويبث في نفسها الثقة فيكِ, والتي أرجو أن تكوني الآن أهلاً لها.
سادسًا: عليكِ أن تجعلي من هذا الموقف درسًا لكِ، وأن تقفي مع نفسكِ وأختكِ وقفةَ مصارحة جادة, وأن تعملي على قطع ما يشدكما إلى الاستمرار في تلك العلاقات، وأن تبدئي معها في الاطلاع على بعض القصص الواقعية الأليمة من خلال الشبكة، أو بعض الكتب التي تزيل الستار عن نهايات موجعة بحق؛ لتجنّبا نفسيكما المزالقَ والعثرات التي وقعت فيها الكثير من الفتيات, وأن تستبدلي بها علاقاتٍ شرعية، ولو كانت من خلال الشبكة والتواصل مع أخوات صالحات من مواقع إسلامية, والطرق يسيرة - بإذن الله - على من أراد أن يسلكها.
سابعًا: يقول علماء النفس المتخصصون: إن الإنسان مزيج من القوة والضعف, الخوف والشجاعة, الرضا والقبول, الكرم والبخل, وغيرها من الأضداد الكثيرة التي تجتمع فيه، فتتفاوت من شخص لآخر, وإحاطة المرء بمثل هذه الحقائق عن نفسه يَجعله أكثر وعيًا بنفسه، وما يطرأ عليها من تقلبات وتغيرات، يبقى الكثير من الناس أمامها حائرين، تشعر الفتاةُ بحاجةٍ لمن تبثه همها، أو تشكو حالها, أو تسمع منه عباراتِ الإطراء, والسبب أنَّ جانبَ الضعف، أو قلة الثقة بالنفس قد غلبت عندها، وفاقت جانب القوة, فلتبحث عما تقوي به نفسها بسبل مشروعة وطرق محمودة، فالتقرب إلى الله بالنوافل, وتوسيع نطاق التعامل مع الأهل والصديقات, ومد يد العون للمحتاج كلها أمور شرعية وراقية لاستشعار تلك القوة من أنفسنا، ولإمدادنا بالثقة اللازمة لتسيير الحياة بصورة سوية لا تشوبها شائبة.
أخيرًا:
يقول الكاتب الإنجليزي (بتلر): "للشباب أجنحة تطير بصاحبها سريعًا في عالم الخيال, فلا يرى أمامه إلا المسرَّات، ولا يُمنِّي نفسه إلا بالأماني والآمال".
فاحرصي أنت وأختك على استغلال تلك المرحلة الذهبية من العمر, فقلَّ من يدرك أهميتها قبل أن تولي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ