ليس صحيحًا ما يُقال إن المرأة في صدر الإسلام لا تخرج أبدًا إلا ثلاث مرات...، من بطن أمها إلى الدنيا، ومن دار أبيها إلى الزوج، ومن دار زوجها إلى القبر، وقُتِلَ الخرَّاصون الذين يدّعون ظُلمًا وزورًا أن المرأة في ظل الإسلام مكسورة الجناح ومهضومة الحق، بل الحقيقة أن المرأة عاشت في ظل هذا الدين، الخالدة والمتمتعة بكامل حقوقها تشارك أُمتها في تحقيق آمالها وتخفيف آلامها... منهن نساء فُضليات أثرين تاريخ الإسلام... معًا وسويًا نعيش مع قصص نساء خالدات مؤمنات مجاهدات، وعابدات، وفقيهات.
جراءة وشجاعة صحابية من المجاهدات، قتلت تسعة من جنود جيش الروم في معركة اليرموك، ومبعوثة النساء عند رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
من هي؟
هي أسماء بنت يزيد بن سكن بن رافع بن عبد الأشهل الأنصارية الأشهلية، أم عامر، وبنت عمة معاذ بن جبل، وأم سلمة صحابية جليلة من المجاهدات.
أسلمت في العام الأول من الهجرة على يد مصعب بن عُمير (مصعب الخير)، ذكر ابن سعد صاحب "الطبقات" عن عمرو بن قتادة- رضي الله عنه- قال: أول من بايع النبي أم سعد بن معاذ "كبشة بنت رافع" وأسماء بنت يزيد، وحواء بنت يزيد، وكانت أسماء تعتز بهذا السبق.
خطيبة النساء
عُرفت بأنها خطيبة النساء، لأنها كانت تدافع عنهن وتسأل عن حقوقهن، واشتهرت بمتابعة أمور دينها والتعرف على دقائق أموره، كانت تسأل النبي، صلى الله عليه وسلم،عن كل شيء، وقد زادت مكرُمتُها تلك بأن نهلت من القرآن الكريم والحديث الشريف ما استطاعت، مما جعلها بين نساء الأنصار متميزة.
شهد لها الصحابة الكرام بفصاحة اللسان وقوة البيان وسحر الكلام، وحسن المنطق.
مبعوثة النساء:
أتت أسماء- رضى الله عنها- رسول الله، صلي الله عليه وسلم، وهو بين أصحابه فقالت بأبي وأمي أنت يا رسول الله، إني مبعوث من ورائي من جماعة نساء المسلمين وكلهن يقُلن قولي، وعلى مثل رأي.
إن الله تعالي بعثك إلى الرجال والنساء فآمنا بك واتبعناك، ونحن - معاشر النساء - مقصورات، محصورات قواعد بيوتكم ومقضى شهوات الرجال، وحاملات أولادهم، وإن الرجال فُضلوا بالجمعة والجماعات، وشهود الجنائز والجهاد، في سبيل الله، وإذا خرجوا إلى الجهاد حفظنا لهم أموالهم، وربينا أولادهم،... أنشاركهم في الأجر يا رسول الله؟
فالتفت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى أصحابه فقال: "هل سمعتم مقالة المرأة.. ما أحسن سؤالاً عن دينها من هذه؟".
فقالوا: بلي، والله يا رسول الله، ما ظننا أن امرأة تهتدي إلى مثل هذا فالتفت، صلى الله عليه وسلم، إليها فقال: "انصرفي يا أسماء وأعلمي من وراءك من النساء أن حُسنَ تبعُّل إحداكن لزوجها وطلبها لمرضاته واتباعها لموافقته، يعدل كلّ ما ذكرت للرجال".
فانصرفت أسماء وهي تهلل وتكبر استبشارًا بما قال لها رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
قوة إيمانها
نشأت في أسرة عُرف أفرادها بالتضحية والجهاد.
أبوها هو: يزيد بن السكن بن رافع الأنصاري، الذي اُستشهد يوم أحد، وفي تلك المعركة أوهنت وأضعفت الجرح زياد بن السكن عم أسماء، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم،: أدنوه مني، فوسد قدمه فمات شهيدًا وخده على قدم النبي، عليه الصلاة والسلام، كما استُشهد أيضًا في المعركة ذاتها أخوها عامر بن يزيد، الذي جعل جسده درعًا يدافع به عن رسول صلى الله عليه وسلم، فنال الشهادة في سبيل الله، ومن العجيب أنه لما بلغها استشهادهم في غزوة أُحد، خرجت تطمئن على سلامة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو قادم من أُحد، وعندما رأته قالت: "كل مصيبة بعدك جلل و(هينة) يا رسول الله" وهذا دليل على قوة إيمانها وصبرها على البلاء.
شجاعتها في الجهاد
شهدت غزوة الخندق وغزوة خيبر، وخرجت - رضي الله عنها - مع النبي - عليه الصلاة والسلام - إلى بلاد الشام، حيث شاركت في معركة اليرموك، وكانت تشارك مع النساء سقاية الظمأى وتضميد الجرحى، وكانت النساء يضربن من يفر من المعركة من جنود المسلمين، ومن قصص شجاعتها أنها اقتلعت عامود خيمتها وراحت تدُك وتضرب به رءوس جنود الروم حتى قتلت يومها تسعة من جنودهم، من أي طراز هذه المرأة؟!.
روايتها للحديث
روت فيما يُذكر 81 حديثًا، وروي عن أسماء عدد من أجلاء التابعين، وأصحاب السنن الأربعة أبوداود، والنسائي، والترمذى، وابن ماجة.
ويكفيها شرفًا أن نزلت فيها آية حكم عدة المطلقات، فقد أخرج أبو داود والبيهقي في سننه عن أسماء بنت يزيد قالت: "طُلقت علي عهد النبي، صلى الله عليه وسلم، ولم يكن للمطلقة عدة، فنزل قوله تعالي: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ) "البقرة: 228"، فكانت أسماء أول معتدة في الإسلام.
مهارة التزيين (التجميل)
كانت لها دراية بزينة النساء، فلقد زينت أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق - رضي الله عنها - يوم زفافها إلى رسول الله، صلي الله عليه وسلم.
وفاتها
توفيت (عام 69 هجريًا) في خلافة عبدالملك بن مروان، ولكن تبقى أعمالها نورًا ونبراسًا لمن اهتدى من النساء في وسط الظلام البهيم في زماننا.