كيف تولي محمد علي باشا حكم مصر؟
ولد محمد علي في بلدة قولة الساحلية جنوبي مقدونيا يوم 4 مارس عام 1769م لعائلة ألبانية وكان له 16 أخا لم يعش منهم سواه ومات أبوه وهو طفل صغير ومن بعده أمه فصار يتيما وهو في سن 14 سنة فكفله عمه طوسون الذى مالبث أن مات أيضا فكفله رجل يسمي إسماعيل الشوربجي كان صديقا لوالده وقد قام بإلحاقه في سلك الجندية فأبدى شجاعة وبسالة وحسن تصرف فنال رضا رؤسائه ثم تزوج من إمرأة غنية وجميلة كانت بمثابة طالع السعد عليه إسمها أمينة هانم أنجبت له 3 ذكور هم إبراهيم وطوسون وإسماعيل كما أنجبت له بنتين وترك سلك الجندية وعمل بالتجارة وبالذات في تجارة الدخان وكانت تلك تجارة منتشرة ورائجة وتدر ربحا كبيرا آنذاك وعندما قررت الدولة العثمانية إرسال جيش إلي مصر للتصدى للحملة الفرنسية عاد محمد علي إلي سلك الجندية مرة أخرى وكان هو نائب رئيس الكتيبة الألبانية بهذا الجيش وكان قوامها 300 جندى وكان قائدها هو إبن حاكم قولة .
وتورط العثمانيون مع الفرنسيبن في معركة أبو قير البرية في شهر يوليو عام 1801م وذلك من خلال طابية تقع في منطقة أبو قير شرق الإسكندرية تسمي قلعة كوسا باشا وقد تمكن العثمانيون في البداية من تحقيق نصر بسيط مؤقت أمام الجيش الفرنسي بقيادة نابليون بونابرت حينما حاصر قائد القلعة والمسماة بإسمه مصطفي كوسا باشا الحامية الفرنسية في هذه القلعة إلي أن إستسلم قائدها الكابتن يناش وعندما علم نابليون بهذا الحدث أعد خطة سريعة لإنقاذ الموقف وبالفعل بدأ في تعبئة وتحريك جيوشه ومن ثم تحول النصر المؤقت الذى حققه العثمانيون إلي هزيمة وذلك نظرا لعدم سرعتهم في وضع خطة حربية والقيام بتجميع جنودهم وحشدهم لمواجهة الجيش الفرنسي بل كانت جنودهم تتواجد علي هيئة جماعات متفرقة علي شاطئ الإسكندرية ولم يفكر مصطفي كوسا باشا في إستغلال مدينة الإسكندرية أو مدينة رشيد ليتخذ منها قاعدة يجمع فيها جنوده ويعيد حشدهم ورفع كفاءتهم القتالية بل ظل في مكانه منعزلا في شبه جزيرة أبو قير فهاجمت قوات القائد الفرنسي لان معسكر مصطفي كوسا باشا وأسرته وظلت الطابية تقاوم الهجمات الفرنسية بقيادة إبنه ولكن سرعان ما نفذت الذخائر العثمانية وخارت قوى الجنود فإحتل الفرنسيون الطابية وأمر نابليون بقتل مصطفي كوسا باشا ومن ثم إنهزم العثمانيون شر هزيمة وهرب الكثير منهم إلي البحر وغرق منهم الكثير وكاد محمد علي ان يكون من ضمن الغرقي إلا أنه نجا بمعجزة ومالبث أن عاد قائد الكتيبة إبن حاكم قولة إلي بلاده هاربا فتولي محمد علي قيادة الكتيبة بدلا منه وفي الوقت نفسه قرر الفرنسيون إنهاء حملتهم علي مصر والجلاء النهائي عنها في نفس العام المذكور 1801م .
وبعد جلاء الفرنسيين عن مصر عاد التنافس بين المماليك وخاصة بعد وفاة مراد بك أحد زعمائهم الكبار في عام 1801م وبذلك إنحصرت المنافسة بين عثمان بك البرديسي ومحمد بك الألفي ولكن العثمانيين كان لهم رأى آخر فقاموا بتعيين محمد خسرو باشا واليا علي مصر في شهر يناير عام 1802م إلا أن الصراع لم يهدأ بين المماليك كما ثارت علي خسرو باشا طائفة الألبانيين بقيادة طاهر باشا أرناؤوط وعمت الفوضي البلاد وإضطربت أحوالها وكان المماليك مسؤولين عن الوجه القبلي من الديار المصرية وعلى معظم الوجه البحري فوجه إليهم خسرو باشا فرقتين من الجند إحداهما بقيادة يوسف بك والثانية بقيادة محمد علي فنازل المماليك فرقة يوسف بك وهزموها شر هزيمة قبل أن يصل محمد علي بفرقته إلى ساحة القتال وقد تم توجيه الإتهام لمحمد علي بأنه السبب في إنكسار فرقة يوسف بك ونظرا لتعمده التأخر في نجدتها فإستدعاه خسرو باشا ليلا إلى مقره في القلعة زاعما أنه يرغب في مفاوضته في أمر هام بينما كان في نيته الإيقاع به وقد أدرك محمد علي قصد خسرو باشا ولذا فقد رد عليه بأنه سيحصر لمقابلته نهارا على رأس فرقته وعلى أثر ذلك ثار الجنود على الوالي طالبين مرتباتهم المتأخرة ولم يستطع الوالي دفع المتأخر لهم فرغب طاهر باشا أرناؤوط كبير قواد الجيش التوسط بينه وبين الجنود الثائرين فرفض خسرو باشا مفاوضته فإنحاز طاهر باشا إلى الجند وسار بهم إلى القلعة مما أجبر خسرو باشا إلى الفرار .
وفي يوم 6 مايو عام 1803م أعلن العلماء والمشايخ عزله وتولية طاهر باشا أرناؤوط إلا أنه لم يلبث طويلا وتم إغتياله وكان في مصر حينئذ أحد وزراء الدولة العثمانية المدعو أحمد باشا قاصدا إلى المدينة المنورة التي عين واليا عليها فأراد الإنكشارية إجلاسه على كرسي ولاية مصر غير أن محمد علي لم يوافقهم على ذلك وبالإتفاق مع المماليك طردوا أحمد باشا من القاهرة ثم بطش الألبانيون بالجنود الإنكشارية بتشجيع ودعم من محمد علي ولم يبق في مصر من الرجال المنتمين إلى حكومة الآستانة الذي يخشى محمد علي شرهم سوى خسرو باشا الوالي السابق الذي كان مقيما في دمياط فهاجمه محمد علي وعثمان بك البرديسي برجالهما وأحضراه إلى القاهرة وهكذا لم يبق لمحمد علي خصم ظاهر من رجال الآستانة كما أن عثمان بك البرديسي صارت إليه السلطة العليا بين المماليك لأن نظيره محمد بك الألفي كان قد ذهب إلى إنجلترا طامعا في الإستقلال بالحكم في مصر بمساعدة إنجلترا وفي عام 1804م جاء علي الجزايرلي واليا على مصر وبعد عدة مناورات إعترضه الجنود الألبان وهو في طريقه من الإسكندرية إلى القاهرة ففتكت بجنوده وقادته أسيرا إلى القاهرة ثم وجهوه إلى سوريا لكنهم قتلوه في الطريق ومن بعده جاء أحمد باشا والذى تحالف ضده محمد علي مع عثمان بك البرديسي وتمكنا فعلا من التخلص منه وفي أوائل عام 1804م عاد محمد بك الألفي من إنجلترا حاملا الكثير من التحف والأموال وتوجه نحو القاهرة في النيل ولما كان وجوده في مصر يهدد محمد علي وعثمان بك البرديسي على حد السواء إتفقا على مقاومته فإعترضه رجالهما في النيل ونهبوا الأموال والتحف التي جاء بها أما هو فبادر إلى النزول إلى البر ونجا بنفسه وإختبأ عند أحد قبائل العرب في صعيد مصر وهنا بدأت سلطة محمد علي في الظهور وبدأت تظهر شخصيته القيادية وذكاؤه الحاد ومالبث بعد فترة وجيزة أن دب الخلاف بينه وبين حليفه عثمان بك البرديسي والذى كان قد قام بفرض ضرائب باهظة علي أفراد الشعب لكي يتمكن من دفع مرتبات الجنود المتأخرة حيث كان قد ثار عليه الألبانيون وطالبوه بها فأغضب ذلك الأهالي فتدخل محمد علي في الأمر وإنتهز الفرصة لمصلحته وأظهر عطفا شديدا عليهم ووعدهم بالمساعدة لرفع هذه المظلمة عنهم وإنضم إلى المشايخ والعلماء وإكتسب بذلك عطف الشعب ووده وكان المماليك قد أخذوا يشعرون أن محمد علي يبطن لهم العداء والحقيقة أنه كان حينئذ في غنى عنهم بل صار إضعافهم خيرا له ومن ثم بدأت المشادة بين الفريقين وأمر جنوده بمهاجمة المماليك ففروا إلي الصعيد وتمكن من تعيين خورشيد باشا واليا على مصر وكان خامس من تولى ولاية مصر في خلال سنتين وذلك بعد أن إتفق العلماء والأعيان وزعماء الجند على تعيينه واليا وتعيين محمد علي قائم مقام له ووافق الباب العالي على ذلك في عام 1804م .
وبعد ذلك إستمر الصراع بين المماليك من ناحية وبين محمد علي وجنود الوالي خورشيد باشا من ناحية أخرى وتجددت الثورة من جديد في القاهرة على المماليك بإتفاق الأهالي والألبان وحدث قتال عنيف بين الفريقين وبرز محمد علي نفسه إلى ميدان القتال فتغلب على المماليك وألجأ جميع أمرائهم إلى الفرار من القاهرة مرة أخرى إلي الصعيد وحينذاك أصبح محمد علي صاحب العقد والحل في القاهرة لأن زمام الجند والشعب كان في يده غير أنه لم يتسرع في طلب الولاية لنفسه ولعله حاول في ذلك الوقت إثبات إخلاصه للدولة العثمانية حتى لا تناوئه متى آن أون ترشيحه أما خورشيد باشا فقد لقى ما لقيه أسلافه من الصعوبات في الحصول على الأموال وفي دفع مرتبات الجنود فقرض الأموال الطائلة على أهل القاهرة وإبتز كثيرا منها من بعض الأفراد وخصوصا من المنتسبين إلى المماليك فشمل الإستياء منه جميع الطبقات وكان في الوقت نفسه يشعر بعدم إخلاص محمد علي وبشدة وطأته وظن أنه يستطيع أن يتخلص منه بإشغاله بمحاربة المماليك غير أن الإنتصارات التي حققها محمد علي عليهم وشدة عطفه على الأهالي الجند، زاده رفعة في عيون الجميع ووطدت مكانته في البلاد لدى العلماء والأعيان ومن هنا بدأ يدب الخلاف بينه وبين خورشيد باشا وعمل محمد علي حينذاك علي توطيد صلاته بشكل أكبر بالمشايخ والعلماء وكسب ودهم وتأييدهم خاصة نقيب الأشراف عمر مكرم باشا وما أن علموا بوصول فرمان عثماني يقضي بعودة الألبانيين وقوادهم إلى بلادهم حتي طلبوا من محمد علي البقاء في مصر وعدم مغادرتها لما عهدوه فيه من العدل والإستقامة والذكاء ومواهب القيادة وفي الوقت نفسه كان خورشيد باشا يسعي جاهدا ويعمل علي إبعاد محمد علي عن مصر بأى وسيلة وفي يوم الإثنين 13 مايو عام 1805م أجمع المشايخ والعلماء والوجهاء علي عزل الوالي خورشيد باشا وتعيين محمد علي واليا على مصر بدلا منه فتمنع محمد علي في البداية حتي لا يتهم بأنه وراء الثورة علي خورشيد باشا وأنه يعمل لمصلحته الشخصية طامعا أن يكون واليا على مصر ولكن المشايخ والعلماء والوجهاء وعلي رأسهم عمر مكرم باشا نقيب الأشراف قلدوه خلعة الولاية فقبل محمد علي أن يكون الوالي كما قبل أن يتشاور مع هؤلاء المشايخ والعلماء قبل إتخاذ أى قرار يتصل بشئون الحكم وبذلك أصبح محمد علي نزولا علي رغبة زعماء الشعب واليا علي مصر يوم الإثنين 13 مايو عام 1805م ولتبدأ بذلك منذ هذا اليوم صفحة جديدة في تاريخ مصر مع حكم أسرة محمد علي والتي حكمت مصر لمدة 147 عاما تعاقب خلالها علي عرش مصر عدد 10 حكام من هذه الأسرة وكانت أكبر فترة لواحد منهم هي فترة حكم رأس الأسرة ومؤسسها محمد علي باشا والتي إستمرت 43 عاما بينما كانت أقصر فترة حكم لإبنه وخليفته القائد إبراهيم باشا والتي إستمرت حوالي 8 شهور .