قال الله تعالى:
﴿ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾[1].
لا خلاف بأن قوله تعالى:
﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ﴾ نص في دخول أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في أهل البيت لأنهن سبب نزول الآية.
وهل الآية قاصرة على نسائه صلى الله عليه وسلم أم هي عامة، يدخل فيها معهن غيرهن؟ذهب عكرمة إلى أنها خاصة في نسائه صلى الله عليه وسلم وسبقه إلى ذلك ابن عباس رضي الله عنه.والقول الأصح - وهو ما ذهب إليه عامة العلماء - أنها يدخل فيها غير نساء النبي صلى الله عليه وسلم بدلالة الأحاديث الكثيرة الواردة في ذلك نذكر منها:
أخرج مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: خرج النبي صلى الله عليه وسلم غداة وعليه مرط مرحل، من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله، ثم قال:
﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾[2].
وأخرج مسلم من حديث سعد بن أبي وقاص قال: ولما نزلت هذه الآية: ﴿ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ ﴾ دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليًا وفاطمة وحسنًا وحسينًا فقال: "اللهم هؤلاء أهلي"[3].
وبناء على هذين الحديثين وغيرهما كثير[4] فإن عليًا وفاطمة وحسنًا وحسينًا رضي الله عنهم داخلون في الآية بنص قول رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهناك أحاديث أخرى توسع دائرة مفهوم (آل البيت) وردت بشأن الصدقة.
ففي حديث البخاري عن أبي هريرة: أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخرج تمرة من تمر الصدقة من فم الحسن أو الحسين وقال: "أما علمت أن آل محمد صلى الله عليه وسلم لا يأكلون الصدقة"[5].
وبناء على هذا الحديث فكل من منع من أكل الصدقة من قرابة النبي صلى الله عليه وسلم يدخلون تحت هذا المصطلح.
وهذا ما فهمه الصحابة رضي الله عنهم. ففي حديث غدير خم الذي يرويه مسلم عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا خطيبًا، بماء يدعى خمًا، بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ وذكر، ثم قال: "أما بعد، ألا أيها الناس، فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله، فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به" فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال: "وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي".
فقال حصين بن سبرة لزيد وهو يسمع منه هذا الحديث: ومن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته. ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده. قال: ومن هم؟ قال: هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس. قال: كل هؤلاء حرم الصدقة؟ قال: نعم[6].
ومما هو معلوم أن الذين حرموا الصدقة عوضوا عنها الخمس، وهم بنو هاشم وبنو المطلب.
فعن جبير بن مطعم قال: مشيت أنا وعثمان بن عفان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: يا رسول الله، أعطيت بني المطلب وتركتنا، ونحن وهم منك بمنزلة واحدة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما بنو المطلب وبنو هاشم شيء واحد"[7].
وفي حديث مسلم عن عبدالمطلب بن ربيعة بن الحارث قال: اجتمع ربيعة بن الحارث بن عبدالمطلب، والعباس بن عبدالمطلب، فقالا: والله لو بعثنا هذين الغلامين - قالا: لي وللفضل بن العباس - إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلماه، فأمَّرهما على هذه الصدقات، فأديا ما يؤدي الناس، وأصابا مما يصيب الناس، قال: فبينما هما في ذلك جاء علي بن أبي طالب، فوقف عليهما، فذكرا له ذلك. فقال علي بن أبي طالب: لا تفعلا. فوالله ما هو بفاعل. فانتحاه ربيعة بن الحارث فقال: والله ما تصنع هذا إلا نفاسة منك علينا، فوالله لقد نلت صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم فما نفسناه عليك.
قال علي: أرسلوهما، فانطلقا، واضطجع علي.
قال: فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر سبقناه إلى الحجرة، فقمنا عندها، حتى جاء فأخذ بآذاننا، ثم قال: "أخرجا ما تصرران" ثم دخل ودخلنا عليه، وهو يومئذٍ عند زينب بنت جحش.
قال: فتواكلنا الكلام، ثم تكلم أحدنا فقال: يا رسول الله، أنت أبر الناس وأوصل الناس، وقد بلغنا النكاح، فجئنا لتؤمِّرنا على بعض هذه الصدقات، فنؤدي إليك كما يؤدي الناس، ونصيب كما يصيبون.
قال: فسكت طويلًا، حتى أردنا أن نكلمه. قال: وجعلت زينب تلمع علينا من وراء الحجاب أن لا تكلماه. قال: ثم قال: "إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس. ادعوَا لي محمية - وكان على الخمس - ونوفل بن الحارث بن عبدالمطلب" قال: فجاءاه، فقال لمحمية: "أنكح هذا الغلام ابنتك" للفضل بن عباس، فأنكحه، وقال لنوفل بن الحارث: "أنكح هذا الغلام ابنتك" لي. فأنكحني، وقال لمحمية: "أصدق عنهما من الخمس كذا وكذا"[8].
نخلص من هذا إلى أن مصطلح (آل البيت) يدخل فيه أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وعلي وفاطمة وحسن وحسين رضي الله عنهم.
وأن مصطلح (آل محمد) يدخل فيه من لا تحل لهم الصدقة وهم بنو هاشم وبنو المطلب وهم ذوو القربى الوارد ذكرهم في قوله تعالى:
﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى ﴾ [9] قال ابن كثير في تفسيره: وقول جمهور العلماء: إنهم بنو هاشم وبنو المطلب.
وصيته صلى الله عليه وسلم بآل البيت:
وردت عنه صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة يذكِّر فيها أمته ويوصيها بآل بيته خيرًا، منها ما سبق ذكره قبل قليل من حديث مسلم قوله صلى الله عليه وسلم: "أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي".
ومنها ما سبق ذكره عند الحديث عن أولاده صلى الله عليه وسلم.
ومنها ما أخرجه أحمد عن زيد بن ثابت مرفوعًا:
"إني تارك فيكم خليفتين: كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض، وعترتي أهل بيتي وأنهما لا يتفرقا حتى يردوا على الحوض"[10].
وفي البخاري عن ابن عمر عن أبي بكر قال: ارقبوا محمدًا صلى الله عليه وسلم في أهل بيته[11] وقال أبو بكر أيضًا: والذي نفسي بيده، لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي[12].
وما قول أبي بكر إلا التأكيد لما فهمه من رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن، والبيان العملي لما ينبغي أن يكون عليه سلوك المؤمن من حب آل البيت رضي الله عنهم.
-------------------------------------------------------------------------------
[1] سورة الأحزاب، الآيتان (32، 33).
[2] أخرجه مسلم برقم (2424)، والمرحل: الموشى المنقوش عليه صور رحال الإبل.
[3] أخرجه مسلم برقم (2404)، والآية من سورة آل عمران، رقم (61).
[4] وهناك أحاديث كثيرة في هذا الصدد، انظرها في تفسير ابن كثير عند الآية المذكورة.
[5] أخرجه البخاري برقم (1485).
[6] أخرجه مسلم برقم (2408).
[7] أخرجه البخاري برقم (3140).
[8] أخرجه مسلم برقم (1072).
[9] سورة الأنفال، الآية (41).
[10] الفتح الرباني (22 /104) وقال البنا: إسناده جيد.
[11] أخرجه البخاري برقم (3713).
[12] متفق عليه (خ 4240، م 1759).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ