قالت محكمة العدل الدولية، إن سياسة الاستيطان الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس الشرقية تنتهك القانون الدولي.
وهذه هي المرة الأولى التي تصدر فيها محكمة العدل الدولية موقفاً بشأن ما إذا كان "الاحتلال المستمر منذ 57 عاماً غير قانوني".
ورغم أن هذا الرأي استشاري إلا أنه قد يكون له تأثير أكبر على الرأي الدولي فيما يتعلق ببناء إسرائيل للمستوطنات، وسيؤثر أيضا على السياسات الإسرائيلية.
واستغرق رئيس محكمة العدل الدولية نواف سلام، نحو ساعة لقراءة الرأي الكامل للجنة المكونة من 15 قاضيا من مختلف أنحاء العالم.
وفي جزء من رأيه، قال إن اللجنة وجدت أن "نقل إسرائيل للمستوطنين إلى الضفة الغربية والقدس، فضلاً عن احتفاظ إسرائيل بوجودهم، يتعارض مع المادة (49) من اتفاقية جنيف الرابعة".
كما لاحظت المحكمة "بقلق بالغ" أن سياسة الاستيطان الإسرائيلية آخذة في التوسع.
ووجدت المحكمة أيضا أن استخدام إسرائيل للموارد الطبيعية "يتعارض" مع التزاماتها بموجب القانون الدولي كـ "قوة احتلال".
وتنظُر المحكمة، في هذه القضية منذ بداية العام الماضي، بطلب من الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وهذه هي المرة الأولى التي تصدر فيها محكمة العدل الدولية موقفاً بشأن ما إذا كان "الاحتلال المستمر منذ 57 عاماً غير قانوني".
وطلبت الأمم المتحدة من المحكمة إبداء رأيها في سياسات وممارسات إسرائيل تجاه الفلسطينيين، وفي الوضع القانوني للاحتلال.
وتحتل إسرائيل الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة، منذ حرب 1967. وانسحبت من غزة في 2005، ولكنها تفرض على القطاع حصاراً شاملاً براً وبحراً وجواً. ولذلك فإن الأمم المتحدة تعتبر غزة ضمن الأراضي الفلسطينية التي لا تزال تحتلها إسرائيل.
ويلزم القانون الدولي، إسرائيل باعتبارها قوة احتلال في الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة، بحماية السكان المدنيين في الأقاليم التي تحتلها.
وقبل انطلاق جلسات الاستماع في فبراير/شباط من هذا العام، أصدرت إسرائيل بياناً تقول فيه إنها لا تعترف "بشرعية هذه الجلسات"، في محكمة العدل الدولية. ووصفت الخطوة، التي بادرت بها دولة فلسطين في الأمم المتحدة، بأنها "محاولة من الفلسطينيين لإملاء نتائج التسوية السياسية للنزاع بين إسرائيل والفلسطينيين، دون مفاوضات".
ورفضت إسرائيل حضور الجلسات، مكتفية بمرافعة مكتوبة. وقد أدلت 52 دولة برأيها في القضية، الأغلبية الساحقة منها ترى أن الاحتلال مخالف للقانون وتدعو المحكمة إلى اعتباره كذلك.
ودعت الولايات المتحدة، أقرب حلفاء إسرائيل، المحكمة إلى "توخي الحذر وإبداء رأي متوازن"، وتجنب إصدار رأي "يدعو إلى انسحاب فوري وغير مشروط لإسرائيل، لا يأخذ بعين الاعتبار حاجاتها الأمنية المشروعة".
أما وزير خارجية السلطة الفلسطينية فقال للمحكمة إن شعبه يعاني من "الاحتلال الاستيطاني والفصل العنصري".
وأضاف أن "الاحتلال الإسرائيلي الطويل والمتواصل لفلسطين يهدف إلى إلغاء فلسطين من الوجود، وإلى تدمير الفلسطينيين تدميراً شاملاً".
رأي المحكمة سيكون له أثر على شرعية وجود إسرائيل في الضفة الغربية والقدس الشرقية وعلى حصار غزة.
وقال المحامي الدولي فيليب ساندز ضمن الفريق القانوني الفلسطيني لبي بي سي إن "هذه القضية المعروضة على محكمة العدل الدولية لها أهمية كبيرة من الناحية القانونية في التوصل إلى حل".
وبعد إصدار محكمة العدل الدولية رأيها الاستشاري فإنه سيحال إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تقرر كيفية الرد عليه، بما في ذلك إصدار قرار. وقد يشكل هذا الأمر دافعاً للمفاوضات ويرسي معايير قانونية للتسوية التفاوضية مستقبلاً.
وإذا قررت محكمة العدل الدولية بأن الاحتلال الإسرائيلي مخالف للقانون فإنها ستطلب من جميع الهيئات والدول بالامتناع عن مساعدة أو دعم الوضع الحالي.
وقد يكون لمثل هذا القرار تبعات واسعة على التجارة، ولكن التأثير الأكبر سيكون على شرعية وجود إسرائيل في الضفة الغربية والقدس الشرقية بالإضافة إلى حصار غزة.
وتدّعي إسرائيل السيادة على القدس كلها، وتعتبرها عاصمتها الموحدة. وهو أمر لا توافق عليه الأغلبية الساحقة من المجموعة الدولية. وأنشأت إسرائيل أيضاً 160 مستوطنة تؤوي 700 ألف من المستوطنين اليهود في الضفة الغربية والقدس.
وتعد هذه المستوطنات غير شرعية في القانون الدولي، وإن كانت إسرائيل تحتج على ذلك.
وتختلف هذه القضية التي تنظر فيها محكمة العدل الدولية عن القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا، تتهم فيها إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في حربها على غزة.
قضاة المحكمة يترأسهم نواف سلام عند تلاوة القرار
ورحبت مصر بصدور الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية حول الآثار القانونية للسياسات والممارسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وطالبت جميع الأطراف الدولية باحترامه وتنفيذه، والمساعدة في تمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه الشرعي في تقرير مصيره، والعمل على إنهاء المعاناة الإنسانية التي يتعرض لها، مشددة على المسؤولية الجماعية لكافة الدول في إنهاء تلك المعاناة، لاسيما من خلال "وقف الانتهاكات والاعتداءات الإسرائيلية الجارية على قطاع غزة، والعمل على إدخال المساعدات الإنسانية لمواجهة الكارثة الإنسانية المتفاقمة في القطاع".
ورحبت الأردن بالقرار أيضا، إذ أكد الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية وشؤون المغتربين سفيان القضاة على "أهمية هذا الرأي الاستشاري التاريخي، الذي يعكس الإرادة الدولية، والقانون الدولي في دعم حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة ذات السيادة، ويؤكد أن جميع الدول ملزمة بعدم الاعتراف بالوضع الناشئ عن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة، وعدم تقديم العون أو المساعدة لاستمراره". مشيرا إلى أن "هذا الإعلان يتزامن مع استمرار الضغوط الدولية على إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، لوقف جرائم الحرب التي ترتكبها بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وعدوانها المستمر بحق الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية، بما فيها القدس المحتلة".
وأشادت الرئاسة الفلسطينية بالقرار "التاريخي" الذي أصدرته محكمة العدل الدولية، واعتبرت فيه أن "الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية غير قانوني"، قائلة إنها "ترحب بقرار محكمة العدل الدولية وتعتبره قرارا تاريخيا وتطالب بإلزام إسرائيل بتنفيذه"، وفق ما نقلت عنها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا).
لكن إسرائيل نددت بالقرار واعتبرته مستندا إلى "أكاذيب"، إذ قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن محكمة العدل الدولية اتخذت "قرارا كاذبا" الجمعة بعد أن توصلت إلى أن السياسات والممارسات الاسرائيلية "ترقى إلى ضم أجزاء كبيرة" من الأراضي المحتلة.
كما دعا وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش إلى اتخاذ خطوات نحو ضم الضفة الغربية، وقال عبر منصة إكس "الرد على لاهاي- السيادة الآن".
من جهته، قال وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير إن "القرار في لاهاي يثبت مرة أخرى أن هذه منظمة سياسية ومعادية للسامية بشكل صارخ".
وقال مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في المناطق المحتلة (بتسيلم) في بيان إنه "على المجتمع الدولي أن يفعل كافة الإجراءات لكي يُجبر صناع القرار في إسرائيل على إنهاء الاحتلال".
وأضاف "لقد تهرب المجتمع الدولي من القيام بواجب حماية الفلسطينيين بشتى الذرائع، وبضمنها التمسك بفكرة أن الاحتلال مؤقت والزعم أن هناك عملية سياسية جارية من شأنها أن تؤدي إلى حل النزاع".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ