سورة الانفطار والمطففين...
سورة الانفطار:
أقول: قد عرف مما ذكرت وجه وضعها هنا، مع زيادة تآخيهما في المقطع.
سورة المطففين:
أقول: الفصل بهذه السورة بين الانفطار والانشقاق التي هي نظيرتها من خمسة أوجه: الافتتاح بـ " إذا السماء " "الانفطار، الانشقاق"، والتخلص بـ " يا أيها الإنسان " "الانفطار، الانشقاق: 6"، وشرح حال يوم القيامة; ولهذا ضمت بالحديث السابق، والتناسب في المقدار، وكونها مكية.
وهذه السورة مدنية [وأطول منهما] 2، ومفتتحها ومخلصها غير ما لهما لنكتة [لطيفة] 4 ألهمنيها الله، وذلك أن السور الأربع لما كانت في صفة حال يوم القيامة، ذكرت على ترتيب ما يقع فيه.
فغالب ما وقع في التكوير، وجميع ما وقع في الانفطار، يقع في صدر يوم [ ص: 148 ] القيامة، ثم بعد ذلك يكون الموقف الطويل، ومقاساة العرق والأهوال، فذكره في هذه السورة بقوله: يوم يقوم الناس لرب العالمين "6"; ولهذا ورد في الحديث: "يقوم أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه" 1.
ثم بعد ذلك تحصل الشفاعة العظمى، فتنشر الكتب، فأخذ باليمين، وأخذ بالشمال، وأخذ من وراء الظهر، ثم بعد ذلك يقع الحساب.
هكذا وردت بهذا الترتيب الأحاديث، فناسب تأخير سورة الانشقاق التي فيها إتيان الكتب والحساب، عن السورة التي قبلها، والتي فيها ذكر الموقف عن التي فيها مبادئ يوم القيامة.
ووجه آخر وهو: أنه جل جلاله لما قال في الانفطار: وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين "الانفطار: 10، 11"، وذلك في الدنيا، ذكر في هذه السورة حال ما يكتبه الحافظان، وهو: كتاب مرقوم جعل في عليين، أو في سجين، وذلك أيضا في الدنيا; لكنه عقب بالكتابة، إما في يومه، أو بعد الموت في البرزخ كما في الآثار، فهذه حالة ثانية للكتاب ذكرت في السورة الثانية.
وله حالة ثالثة متأخرة عنها; وهي أخذ صاحبه باليمين أو غيرها، وذلك يوم القيامة، فناسب تأخير السورة التي فيها ذلك، عن السورة التي فيها الحالة الثانية، وهي الانشقاق، فلله الحمد على ما من بالفهم لأسرار كتابه. / [ ص: 149 ] 50 ثم رأيت الإمام فخر الدين قال في سورة المطففين أيضا: اتصال أولها بآخر ما قبلها ظاهر; لأنه تعالى بين هناك أن يوم القيامة من صفته [أنه] 2 لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله "الانفطار: 19" وذلك يقتضي تهديدا عظيما للعصاة; فلهذا أتبعه بقوله: ويل للمطففين "11" الآيات.