الموقع الجغرافي للقدس: تقع مدينة القدس في وسط فلسطين تقريبا إلى الشرق من البحر المتوسط على سلسلة جبال ذات سفوح تميل إلى الغرب وإلى الشرق. وترتفع عن سطح البحر المتوسط نحو 750 م وعن سطح البحر الميت نحو 1150 م، وتقع على خط طول 35 درجة و13 دقيقة شرقاً، وخط عرض 31 درجة و52 دقيقة شمالا.
تبعد المدينة مسافة 52 كم عن البحر المتوسط في خط مستقيم و22 كم عن البحر الميت و250 كم عن البحر الأحمر، وتبعد عن عمان 88 كم، وعن بيروت 388 كم، وعن دمشق 290 كم.
أسماء القدس:
وقد أطلقت عليها الشعوب والأمم التي استوطنتها أسماء مختلفة، فالكنعانيون الذين هاجروا إليها في الألف الثالثة قبل الميلاد أسموها “أورساليم” وتعني مدينة السلام أو مدينة الإله ساليم. واشتقت من هذه التسمية كلمة “أورشليم” التي تنطق بالعبرية “يروشاليم” ومعناها البيت المقدس، وقد ورد ذكرها في التوارة 680 مرة. ثم عرفت في العصر اليوناني باسم إيلياء ومعناه بيت الله. ومن أهم الأعمال التي قام بها الكنعانيون في القدس شق نفق لتأمين وصول المياه إلى داخل المدينة من نبع جيحون الذي يقع في وادي قدرون والذي يعرف اليوم بعين سلوان، سكنت قبيلة اليبوسيين -أحد البطون الكنعانية العربية- المدينة حوالي عام 2500 ق.م فأطلقوا عليها اسم يبوس. وبيت المقدس هو الإسم الذي أطلق على هذه المدينة في العصر الأموي ، حيث ذكرها ناصر خسرو في رحلته. والإسم الذي أكثر انتشارا في العالم الإسلامي هو “القدس الشريف” الذي تكلم عنه يحيى بن سعيد الأنطاكي سنة 458.
أسـواق القدس:
سوق القطـانين: المجاور لباب المسجد من جهة الغرب، وهو سوق في غاية الارتفاع والإتقان لم يوجد مثله في كثير من البلاد.
الأسواق الثلاثة: المجاورة بالقرب من باب المحراب المعروف بباب الخليل، وهو من بناء الروم. وأول هذه الأسواق سوق العطارين وهو الغربي في جهة الغرب وقد أوقفه صلاح الدين الأيوبي على مدرسته الصلاحية.
الأوديـة التي تحيط بالقـدس:
1- وادي جهنم: واسمه القديم “قدرون” ويسميه العرب “وادي سلوان”.
2- وادي الربابة: واسمه القديم “هنوم”.
3- الوادي أو”الواد”: وقد يسمى “تيروبيون” معناه “صانعوا الجبن”.
الجبـال المطلّـة على القـدس:
1- جبل المكبر: يقع في جنوب القدس وتعلو قمته 795 م عن سطح البحر، وعلى جانب هذا الجبل يقوم قبر الشيخ ـ أحمد أبي العباس ـ الملقب بأبي ثور، وهو من المجاهدين الذي شاركوا في فتح القدس مع صلاح الدين الأيوبي.
2- جبل الطور أو جبل الزيتون: ويعلو 826 م عن سطح البحر ويقع شرقي البلدة المقدسة، وهو يكشف مدينة القدس، ويعتقد أن المسيح صعد من هذا الجبل إلى السماء.
3- جبل المشارف: ويقع إلى الشمال من مدينة القدس، ويقال له أيضا “جبل المشهد” وهو الذي أطلق عليه الغربيون اسم “جبل سكوبس” نسبه إلى قائد روماني.
4- جبل النبي صمويل: يقع في شمال غربي القدس ويرتفع 885 م عن سطح البحر.
5- تل العاصور: تحريف “بعل حاصور” بمعنى قرية البعل ويرتفع 1016 م عن سطح البحر، ويقع بين قريتي دير جرير وسلود ، وهو الجبل الرابع في ارتفاعه في فلسطين.
ويصف مجير الدين الحنبلي القدس في نهاية القرن التاسع سنة 900 هـ بقوله :
“مدينة عظيمة محكمة البناء بين جبال وأودية، وبعض بناء المدينة مرتفع على علو، وبعضه منخفض في واد، وأغلب الأبنية التي في الأماكن العالية مشرفة على ما دونها من الأماكن المنخفضة، وشوارع المدينة بعضها سهل وبعضها وعر، وفي أغلب الأماكن يوجد أسفلها أبنية قديمة، وقد بني فوقها بناء مستجد على بناء قديم، وهي كثيرة الآبار المعدة لخزن الماء، لأن ماءَها يجمع من الأمطار”.
أسوار القدس:
بعد أن أتم اليبوسيون بناء القلعة بنوا سوراً حول الجبل، واليبوسيون هم أول من بنوا أسوار مدينتهم مما عرف بالسور الأول في القرن الثامن عشر قبل الميلاد، وكان مزودا بستين برجا يشرف منها الجند على حماية المدينة، وموقع السور كان قريبا مما يعرف اليوم بباب الخليل وحي الأرمن، وحي النبي داود حتى التلال الواقعة شرقي الحرم. وقد ظل هذا السور يتهدم ويعاد ترميمه على مر العصور، وبلغ ما أحصاه المؤرخون من عدد المرات التي تهدم فيها السور وأعيد بناؤه ست مرات.
وبعد معركة حطين وفتح القدس، أعاد الناصر صلاح الدين الأيوبي بناء ما تهدم من الأسوار وجدد بعض الأبراج من باب العمود إلى باب الخليل وحفر حولها خندقا.
والسور الحالي أقامه السلطان سليمان القانوني (1536-1540 م) في خمس سنوات. وقد هدمت إسرائيل جزءاً كبيراً منه بعد حرب 1967. ويوجد بهذا السور 34 برجا، وله عدة أبواب بنيت في أوقات متقاربة، وهي سبعة مفتوحة وأربعة مغلقة.
ويبلغ طول سور القدس حوالي 4200 متر تقريبا، يشكل 600 متر منها الجدار الشرقي والجنوبي للحرم القدسي. وتختلف سماكة السور وارتفاعه من مكان لآخر حسب التضاريس الطبيعية للأرض. ويبلغ ارتفاعه في بعض الأماكن 30 مترا، وتزيد سماكته في معظم الحالات على مترين حتى يتمكن الحراس من السير والتنقل في أعلاه بسهولة ويسر. وقد استخدمت في بنائه الأحجار الكلسية بأحجام مختلفة، وفي مداميك منظمة استعملت المونة الجيرية في لحامها “مما أضفى على البناء قوة ومتانة”. ورغم أن المدة التي انقضت، منذ الترميم العثماني الأخير للسور تزيد على 450 سنة إلا أن السور – كما يقول مؤلفو كتاب كنوز القدس– “ما زال شامخاً يتحدى عوامل التلف والانهيار، اللهم إلا في مناطق محددة تحتاج إلى الترميم والإصلاح للمحافظة على هذا الأثر التاريخي العظيم”.
أبواب القدس:
لمدينة القدس سبعة أبواب ثلاثة منها لازالت، مستعملة وأربعة مغلقة، أما الأبواب المفتوحة:
1. باب العمود :
يقع في منتصف الحائط الشمالي لسور القدس تقريبا ويعود تاريخه إلى عهد السلطان “سليمان القانوني” العثماني، وتعلو هذا الباب قوس مستديرة قائمة بين برجين ويؤدي بممر متعرج إلى داخل المدينة، أقيم فوق أنقاض باب يرجع إلى العهد الصليبي.
والباب عبارة عن قوس ضخمة ترتكز على دعامتين من الحجارة القديمة المنحوتة نحتا ناعما والمزودة بإطار أنعم نحتا وقد أضيف عمود داخل الباب في أيام الإمبراطور هادريانوس نفسه.
ويظهر العمود في خريطة الفسيفساء التي عثر عليها في الكنيسة البيزنطية في”مأدبا” وقد بقي هذا العمود حتى الفتح الإسلامي ولذلك سمى العرب الباب “باب العمود” وكان يدعى من قبل باب دمشق لانه مخرج القوافل إليها.
2.باب الساهرة :
يقع إلى الجانب الشمالي من سور القدس على بعد نصف كيلومتر شرقي باب العمود، وباب الساهرة بسيط البناء، حيث بني ضمن برج مربع، ويرجع إلى عهد السلطان سليمان العثماني وكذلك كان يعرف عند الغربيين باسم باب هيرودوتس .
3. باب الأسباط :
وسمي أيضا بباب “القديس اسطفان” لدى الغربيين ويقع في الحائط الشرقي ويشبه في الشكل باب الساهرة، ويعود تاريخه أيضا إلى عهد السلطان سليمان العثماني .
4. باب المغاربة :
يقع في الحائط الجنوبي لسور القدس، وهو عبارة عن قوس قائمة ضمن برج مربع، ويعتبر أصغر أبواب القد .
5.باب النبي داود :
عرف لدى الأجانب باسم باب “صهيون” فهو باب كبير منفرج يؤدى إلى ساحة داخل السور، وقد أنشأ في عهد السلطان سليمان عندما أعاد بناء سور المدينة .
6. باب الخليل :
يقع باب الخليل في الحائط الغربي وسمي لدى الأجانب “بباب يافا”.
7. الباب الجديد :
فتح في الجانب الشمالي للسور على مسافة كيلومتر تقريبا غربي باب العمود وهو حديث العهد يعود إلى أيام زيارة الإمبراطور الألماني (غليوم الثاني) لمدينـة القدس عـام 1898م.
ثانيا : الأبواب المغلقة :
1. باب الرحمة :
وسمي هذا الباب لدى الأجانب بالباب “الذهبي” لبهائه ورونقه، ويقع على بعد 200 م جنوبي باب الأسباط في الحائط الشرقي للسور ويعود هذا الباب إلى العصر الأموي. وهو باب مزدوج تعلوه قوسان ويؤدي إلى باحة مسقوفة بعقود ترتكز على أقواس قائمة فوق أعمدة كورنثية ضخمة .
وقد اغلق العثمانيون هذا الباب بسبب خرافة سرت بين الناس آنذاك، مآلها أن الفرنجة سيعودون ويحتلون مدينة القدس عن طريق هذا الباب، وهو من أجمل أبواب المدينة ويؤدي مباشرة إلى داخل الحرم .
والأبواب الثلاثة المغلقة الأخرى تقع في الحائط الجنوبي من السور قرب الزاوية الجنوبية الشرقية وتؤدي جمعيها إلى داخل الحرم مباشرة و أولها ابتداء من زاوية السور الباب الواحد وتعلوه قوس، والباب المثلث وهو مؤلف من ثلاثة أبواب تعلو كلا منها قوس، والباب المزدوج وهو من بابين يعلو كل منهما سور، أنشئت هذه الأبواب الثلاثة في العهد الأموي عندما بنى الخليفة عبد الملك بن مروان قبة الصخرة .
القدس عبر التاريخ:
يرجع تاريخ مدينة القدس إلى أكثر من خمسة آلاف سنة، وهي بذلك تعد واحدة من أقدم مدن العالم. وتدل الأسماء الكثيرة التي أطلقت عليها على عمق هذا التاريخ ، ونشير أولا إلى تاريخ هذه المدينة قبل الإسلام وسكانها الأصليين من بين الأقوام والهجمات التي تعرض المدينة لها والغزاة الذين غزوها عبر التاريخ، ثم نتطرق إلى تاريخ القدس بعد ما أقبل أهله إلى الإسلام وفتحه الجنود المسلمون، وما جرى فيها من الأحداث بعد الإسلام إلى يومنا هذا.
القدس قبل الإسلام:
أول من سكن القدس وأول من بنى فيه اليبوسيون من بطون العرب الأوائل، نشأوا في قلب الجزيرة العربية، ثم نزحوا عنها مع من نزح من القبائل الكنعانية التي ينتمون إليها. وعند ما رحل الكنعانيون عن الجزيرة العربية رحلوا جماعات منفصلة وقد حطت هذه الجماعات في أماكن مختلفة من فلسطين فراحت تدعى “أرض كنعان”، لقد أسس الكنعانيون واليبوسيون حضارة كنعانية ذات طابع خاص، وقد ظهر بينهم ملوك عظماء بنوا القلاع وأنشأوا الحصون وأنشأوا حولها أسواراً من طين، ومن ملوكهم الذين حفظ التاريخ أسماءهم ، “ملكي صادق” ويعتبر هو أول من بنى” يبوس” وأسسها، وكانت له سلطة على من جاوره من الملوك . وكان من المؤمنين بسيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام وعقد معه قبل 1800 سنة عهد المحبة والمودة الذي يدل على كونهم موحدين.( ذكره محمد محمد حسن في كتاب بيت المقدس والمسجد الأقصى).
وقد عرف “مليك صادق” بالتقوى وحب السلام حتى أُطلق عليه “ملك السلام”، ومن هنا جاء اسم مدينة سالم أو “شالم” أو “أورشالم” بمعنى دع شالم يؤسس، أو مدينة سالم. فأورشليم كان اسماً معروفاً وموجوداً قبل أن يغتصب الإسرائيليون هذه المدينة من أيدي أصحابها اليبوسيين. وسماها الإسرائيليون “صهيون” نسبة لجبل في فلسطين، وقد غلب على المدينة اسم “القدس” الذي هو اسم من أسماء الله الحسنى، وسميت كذلك بـ “بيت المقدس” الذي هو بيت الله.
ويُجمع المؤرخون على أن اليهود عندما دخلوا فلسطين والقدس، كان أمامهم الكنعانيون (السكان الأصليون). فعلى سبيل المثال يؤكد ابن كثيرقائلا: “وأما الكنعانيون فلحق بعضهم بالشام، ثم جاء بنو إسرائيل… ” ثم ثبت الروم على بني إسرائيل فأجلوهم عن الشام (القدس ونابلس) إلى العراق. ويؤكد ياقوت الحموي عروبة الكنعانيين سكان القدس وفلسطين، بقوله: “إن كنعان بن سام بن نوح إليه ينسب الكنعانيون، وكانوا يتكلمون بلغة تضارع العربية”. ويذهب إلى أن الكنعانيين “هم أهل الشام”، ويقول: “وإنما سميت الشام شاماً لسكن سام بن نوح فيها، وقيل تسأمت به بنو كنعان، … وكان كل ملك من بني كنعان يلقب جالوت إلى أن قتل داوود جالوت آخر ملوكهم، فتفرقت بنو كنعان”.
وقد مرت القدس بمراحل مختلفة وهجمات مختلفة بعدما تمكن الموسويون العبريون من السيطرة عليه ومن أشهر هذه الهجمات :
1- هجوم نبوخذ نصر الثاني (586 – 537 ق.م)
احتل الملك البابلي نبوخذ نصر الثاني مدينة القدس بعد أن هزم آخر ملوك اليهود صدقيا بن يوشيا عام 586 ق.م، ونقل من بقي فيها من اليهود أسرى إلى بابل بمن فيهم الملك صدقيا نفسه.
2- هجوم الفرس(537 – 333 ق.م)
ثم سمح الملك الفارسي قورش عام 538 ق.م لمن أراد من أسرى اليهود في بابل بالعودة إلى القدس. واستمر حكم القورش على القدس إلى سنة 333 ق. م
3- عصر الإسكندر(333 – 63 ق.م)
استولى الإسكندر الأكبر على فلسطين بما فيها القدس عام 333 ق.م، وبعد وفاته استمر خلفاؤه المقدونيون والبطالمة في حكم المدينة، واستولى عليها في العام نفسه بطليموس وضمها مع فلسطين إلى مملكته في مصر عام 323 ق.م. ثم في عام 198 ق.م أصبحت تابعة للسلوقيين في سوريا بعد أن ضمها سيلوكس نيكاتور، وتأثر السكان في تلك الفترة بالحضارة الإغريقية.
4- نظرة إلى هذه الهجمات في القرآن:
ذكرالقرآن الكريم مراحل حياة العبريين وبني إسرائيل في القدس هكذا:
1ـ “فإذا جاء وعد أولاهما” فيه إشارة إلى هجوم نبوخذ النصر.
2ـ “ثم رددنا لكم الكرة” إشارة إلى عودتهم في زمن قورش.
3ـ فإذا جاء وعد الآخرة… عسى ربكم أن يرحمكم” إشارة إلى عودة الإسكندر ومجزرة اليهود.
4ـ “وإن عدتم عدنا” تشيرالآية إلى تكرار اليهود للفساد وابتلائهم بعذاب الله في العهود القادمة.
القدس والمسيح عليه السلام:
ولكن إذا كان تاريخ القدس الروحي، قد اندمج متوافقاً مع التاريخ الروحي والزماني لقدس سليمان وداوود، إلا أن الافتراق الروحي ما لبث أن حدث، مع (انحراف)، بني إسرائيل عن (صحيح) التوراة، “وضلّوا” فعاقبهم الله على يد نبوخذ نصر، وغيره، واعتمد المسلمون في تفسيرهم هذا، على ما جاء في القرآن: “وقضينا على بني إسرائيل في الكتاب لتفّسدن في الأرض مرتين، ولتعلونّ علواً كبيراً، فإذا جاء وعد أولاهما، بعثنا عليكم عباداً لنا أولي بأس شديد، فجاسوا خلال الديار وكان وعداً مفعولاً” (الإسراء: 4 ـ 5) ويروي الطبري كيف انتقم الله لانحراف بني إسرائيل، واضطهادهم (أرميا) النبي، “أن بختنصر وجد في سجن بني إسرائيل أرميا النبي، وكان الله بعثه نبياً ـ فيما بلغنا ـ إلى بني إسرائيل يحذرهم ما حل بهم من بختنصر، ويعلمهم أن الله سلط عليهم من يقتل مقاتليهم، ويسبى ذراريهم، إن لم يتوبوا وينزعوا عن سيئ أعمالهم، فقال لـه بختنصر: ما خطبك؟ فأخبره أن الله بعثه إلى قومه ليحذرهم من الذي يحل بهم، فكذبوه وحبسوه، فقال بختنصر: بئس القوم قوم عصوا رسول ربهم! وخلّى سبيله، وأحسن إليه، وفي تلك الزمان تفرقت بنو إسرائيل.
وعلى هذا، فسبي اليهود، ودمارهم، وتخريب المدينة على يد نبوخذ نصر في 587 ق.م، ما هو إلاّ عقابٌ ربانيٌ لانحرافهم وإيذان بإخراج الله لهم من تاريخ الوحي القديم، فحمّل الله الأمانة إلى عيسى بن مريم، نبيّه، الذي جدّد حلقة النبوة الإبراهيمية، ووحيها، بالقدس، في حين كذبه اليهود، وأنكروا نبوّته، وحضوا الوالي الروماني هيرودس على صلبه، فأمر رئيسهم رجلاً من أصحابه اسمه نطاليوس أن يدخل إليه فيقتله، فدخل (الرجل) فلم ير أحداً… فخرج إليهم فظنوه عيسى (شبه لهم) وصلبوه”.
وهكذا، اندمج تاريخ المسيح بالتاريخ الزمني والروحي للقدس، وأيضاً بالتاريخ الجامع لديانة الوحي، التي امتصها الإسلام في متنه الروحي، ووفقاً لهذا التاريخ، فقد انفصل بنو إسرائيل بانحرافهم عن الدين القويم التوراتي، عن تاريخ القدس الروحي، بعد أن كان داوود وسليمان قد عانقوا هذا التاريخ لتعبيرهم الصادق عن الوحي، ثم انتقلت الأمانة إلى المسيح عليه لصلاة والسلام.
القدس وخاتم المرسلين:
ثم انتقلت هذه الأمانة، بعد انحراف المسيحيين عن الدين الإبراهيمي، إلى النبي وأصحابه وأمة المسلمين من بعده، تلك الأمة التي لا تجتمع على ضلالة، فكان لابد للعرب المسلمين أن يصلوا القدس بتاريخهم الروحي والزماني، فإذا كانوا قد التصقوا بها روحياً وحسب في بداية الدعوة، حينما كانوا يتجهون إليها بصلاتهم، وحينما أسرى إليها نبيهم، وعرج منها إلى سدرة المنتهى، ثم تجذّر التصاقهم بها عندما تنبأ لهم نبيهم بفتحها، فغدت ملتصقة بالوعي الإسلامي، كوعد إلهي نبوي، وهو ما يذهب إليه تفسيرهم للآية: “أن الأرض يرثها عبادي الصالحون” (الأنبياء: 105) على أنها الأرض المقدسة، وترثها أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وتشير إلى هذا حزمة من الأحاديث والمرويات المتناقلة عن النبي وصحابته.
ويذهب بعض المؤرخين العرب، في السياق ذاته، إلى أن فتح الشام، كان ضمن اهتمامات النبي، وهو ما تدل عليه “غزواته” الشامية المبكرة، ولهذا، أيضاً فإنه عندما وصل كتاب عمر بن الخطاب، كما يذكر الواقدي، إلى قادة المسلمين، يأمرهم بالتوجه إلى القدس، “فرحوا بمسيرتهم إلى بيت المقدس”، وبلغ الانفعال ذروته عندما وقف الفاتحون المسلمون على أسوارها، فما نزل أحد منهم، كما يقول الواقدي: “إلاّ كبر وصلى”، وجرت على ألسنتهم جميعاً صورة “يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم، ولا ترتدّوا”.
لقد فرض المخيال الإسلامي نفسه على المؤرخين العرب، فنظروا إلى فتح القدس كعملية تحقيق لوعد إلهي طال انتظاره، وكان من الواجب تحقيقه، وجوهر هذا الوعد وراثة المسلمين لمدينة بيت المقدس، وبما فيه من تراث روحي ومعانٍ مقدسة، وما تركه على أديمها الأنبياء من الأسرة الإبراهيمية، ابتداءً من إبراهيم، وانتهاء بالمسيح، وأمه مريم، فحافظوا على ذكر هؤلاء، وعلى بقايا العبادات التي تذكّر بهم، فتركوا لورثتهم، وإن كانوا قد انحرفوا نسبياً، تركوا لهم حرية العبادة في كنف تلك الآثار التي يشاركونهم، في تبجيلها، بعد أن نظروا إليهم كشركاء حقيقيين في تكريس قداسة المدينة، ومنذ ذلك الحين اندرجت القدس وإلى الأبد في التاريخ الروحي والزماني للعرب المسلمين بكل ما تحمله من التراث النبوي الإبراهيمي، بطريقة لا فكاك منها، ولم ينظروا إلى النصارى واليهود من جراء فتحهم للقدس كمنافسين أو خصوم، بل كمتعاضدين في مباركة المكان المقدس الذي يتسع للجميع ولا سيما لأهل الكتاب، ولم تعن أسلمة المدينة لهم إمحاء ذاكرة المدينة بكل ما يتصل بأنبياء بني إسرائيل، أو المسيح وأصحابه بل كانت تعني لهم تلك الأسلمة، طالما أن الإسلام نفسه متمماً لديانة الوحي، والجزء الخاتم منه، والجميع يصدر عن وحي واحد، كانت تعني إذكاء الذاكرة بهؤلاء الرموز، لذا نجدهم حتى داخل حرمهم الشريف، سمّوا الكثير من المواقع بأسماء داوود، وسليمان، ومريم، وعيسى، وتركوا لورثة المسيحية، واليهودية، حرية العبادة، في كنف مدينة تتسع على ضيقها بعبادة البشر جميعاً، فقد فهموا القداسة ليس على أنها مجسدة في الحجارة المحدودة المساحة، بل إن هذه القداسة لا تلامس هذه الحجرة إلا لتجاوزها باعتبارها ترمز إلى التعالي، وتذكرّ به، وهي تتسع لعبادة ما لا نهاية من البشر، لذا فإن عمر بن الخطاب عندما ألح عليه صوفرينوس بمنع اليهود من دخول القدس، أجابه قائلاً: إن ديننا لا يسمح بذلك.
العصر الإسلامي الأول (636 إلى 1072م):
دخل الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه مدينة القدس سنة 636 /15 هـ (أو 638م على اختلاف في المصادر) بعد أن انتصر الجيش الإسلامي بقيادة أبي عبيدة عامر بن الجراح، واشترط البطريرك صفرونيوس أن يتسلم عمر المدينة بنفسه فكتب معهم “العهدة العمرية” وهي وثيقة منحتهم الحرية الدينية مقابل الجزية. وغير اسم المدينة من إيلياء إلى القدس .
واتخذت المدينة منذ ذلك الحين طابعها الإسلامي واهتم بها الأمويون (661 – 750م) والعباسيون (750 – 878م) وشهدت نهضة علمية في مختلف الميادين. ومن أهم الآثار الإسلامية في تلك الفترة مسجد قبة الصخرة الذي بناه عبد الملك بن مروان في الفترة من 682 – 691م، وأعيد بناء المسجد الأقصى عام 709م، وشهدت المدينة بعد ذلك عدم استقرار بسبب الصراعات العسكرية التي نشبت بين العباسيين والفاطميين والقرامطة، وخضعت القدس لحكم السلاجقة عام 1071م.
القدس إبان الحملات الصليبية:
سقطت القدس في أيدي الصليبيين عام 1099م بعد خمسة قرون من الحكم الإسلامي نتيجة صراعات على السلطة بين السلاجقة والفاطميين وبين السلاجقة أنفسهم. وقتل الصليبيون فور دخولهم القدس قرابة 70 ألفاً من المسلمين وانتهكوا المقدسات الإسلامية. وقامت في القدس منذ ذلك التاريخ مملكة لاتينية تحكم من قبل ملك كاثوليكي فرض الشعائر الكاثوليكية على المسيحيين الأرثوذكس مما أثار غضبهم.
العصر الإسلامي الثاني:
استطاع صلاح الدين الأيوبي استرداد القدس من الصليبيين عام 1187م بعد معركة حطين، وعامل أهلها معاملة طيبة، وأزال الصليب عن قبة الصخرة، واهتم بعمارة المدينة وتحصينها.
الصليبيون مرة أخرى:
ولكن الصليبيين نجحوا في السيطرة على المدينة بعد وفاة صلاح الدين في عهد الملك فريدريك ملك صقلية، وظلت بأيدي الصليبيين 11 عاماً إلى أن استردها نهائياً الملك الصالح نجم الدين أيوب عام 1244م.
المماليك :
وتعرضت المدينة للغزو المغولي عام 1243/1244م، لكن المماليك هزموهم بقيادة سيف الدين قطز والظاهر بيبرس في معركة عين جالوت عام 1259م، وضمت فلسطين بما فيها القدس إلى المماليك الذين حكموا مصر والشام بعد الدولة الأيوبية حتى عام 1517م.
العثمانيون:
دخلت جيوش العثمانيين فلسطين بقيادة السلطان سليم الأول بعد معركة مرج دابق (1615 – 1616م) وأصبحت القدس مدينة تابعة للإمبراطورية العثمانية. وقد أعاد السلطان سليمان القانوني بناء أسوار المدينة وقبة الصخرة. وفي الفترة من عام 1831 – 1840م أصبحت فلسطين جزءًا من الدولة المصرية التي أقامها محمد علي ثم عادت إلى الحكم العثماني مرة أخرى. وأنشأت الدولة العثمانية عام 1880 متصرفية القدس، وأزيل الحائط القديم للمدينة عام 1898 لتسهيل دخول القيصر الألماني وليام الثاني وحاشيته أثناء زيارته للقدس. وظلت المدينة تحت الحكم العثماني حتى الحرب العالمية الأولى التي هزم فيها الأتراك العثمانيون وأخرجوا من فلسطين.
الاحتلال البريطاني (1917 – 1948م):
سقطت القدس بيد الجيش البريطاني في 8 – 9/12/1917 بعد البيان الذي أذاعه الجنرال البريطاني اللنبي، ومنحت عصبة الأمم بريطانيا حق الانتداب على فلسطين، وأصبحت القدس عاصمة فلسطين تحت الانتداب البريطاني (1920 – 1948). ومنذ ذلك الحين دخلت المدينة في عهد جديد كان من أبرز سماته زيادة أعداد المهاجرين اليهود إليها خاصة بعد وعد” بلفور” عام 1917.
مشروع تدويل القدس:
أحيلت قضية القدس إلى الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، فأصدرت الهيئة الدولية قرارها في 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 1947 بتدويل القدس.
إنهاء الانتداب البريطاني:
في عام 1948 أعلنت بريطانيا إنهاء الانتداب في فلسطين وسحب قواتها، فاستغلت العصابات الصهيونية حالة الفراغ السياسي والعسكري وأعلنت قيام الدولة الإسرائيلية. وفي 3 ديسمبر/ كانون الأول 1948 أعلن ديفيد بن غوريون رئيس وزراء إسرائيل أن القدس الغربية عاصمة للدولة الإسرائيلية الوليدة، في حين خضعت القدس الشرقية للسيادة الأردنية حتى هزيمة يونيو/ حزيران 1967 التي أسفرت عن ضم القدس بأكملها لسلطة الاحتلال الإسرائيلي.
القدس أرض عربية قبل الإسلام وبعده:
لقد أجمعت كلمة المؤرخين أن أول من سكن فلسطين هم الكنعانيون، وهي القبائل العربية السامية التي نزحت من الجزيرة العربية، وتمركزت في فلسطين، فدعيت هذه الأرض باسم (أرض كنعان) ، ليكون بذلك أول اسم تحمله فلسطين . وبقيت للكنعانيين السيادة ما يقرب من ألف وخمسمائة سنة، أي من 2500 ق.م إلى نحو 1000 ق.م ، حين تمكن اليهود من إعلان مملكتهم.
ولعل فلسطين أقدم بقاع الأرض التي عرفت التوحيد، عندما هاجر إليها سيدنا إبراهيم قادما من العراق في نحو عام 1805 ق.م ، ومعه زوجته سارة وابن أخيه لوط وغيرهم ليعمل على نشر دعوته، وهي الدعوة الحنفية السمحة، كما جاء ذكر ذلك في القرآن الكريم: (ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين) (آل عمران: 67).
ويذهب المؤرخون إلى أن اليهود كانوا أدنى حضارة ورقياً من الكنعانيين وأنهم اقتبسوا من هؤلاء الكثير من حضارتهم وثقافتهم وآدابهم وطقوسهم، وأن ما شيد في عهد اليهود من قصور وهياكل إنما تم بمساعدة الفينيقيين.
ويبقى التأكيد، على أن اليهود الحاليين ليسوا عنصراً متجانساً، وبالتالي فإن الحنين الصهيوني إلى فلسطين وحق اليهود في العودة إلى صهيون (القدس) – كما سيظهر معنا لاحقاً- إنما هو خرافة ووهم، فضلاً عن أن عرب فلسطين هم السكان الشرعيين للبلاد منذ أقدم الأزمان، قبل ظهور اليهود فيها وبعد رحيلهم عنها بإذن الله.
المسجد الأقصى:
المسجد الأقصى هو واحد من أكثر المعالم قدسية عند المسلمين، حيث يعتبر أولى القبلتين في الإسلام. يقع المسجد الأقصى داخل البلدة القديمة لمدينة القدس في فلسطين. وهو اسم لكل ما دار حول السور الواقع في أقصى الزاوية الجنوبية الشرقية من المدينة القديمة المسورة، ويعد كل من مسجد قبة الصخرة والجامع القبلي من أشهر معالم المسجد الأقصى.
وقد ذكر في القرآن حيث قال: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ (سورة الإسراء-1:). وهوأحد المساجد الثلاثة التي تشد الرحال إليها، كما قال رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم: ” لا تشدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام، ومسجدي هذا (المسجد النبوي)، ومسجد الأقصى”. (البخاري ومسلم واللفظ للبخاري)
يقدس اليهود أيضا نفس المكان، ويطلقون اسم “جبل الهيكل” على ساحات المسجد الأقصى نسبة لهيكل النبي سليمان المفترض. وتحاول العديد من المنظمات اليهودية المتطرفة التذرع بهذه الحجة لبناء الهيكل حسب معتقدها.
من بنى المسجد الأقصى؟
ورد في كتب التواريخ الأجنبية أن باني المسجد الأقصى الأول هو سيدنا داود (عليه السلام) في السنة الحادية عشر من ملكه (1058 ق. م). ثم أكمل البناء ابنه سيدنا سليمان عليه السلام عام (1050 ق. م). لكن هذه النظرية لا تتفق مع ما وردت من الروايات التاريخية الصحيحة حول أول باني للمسجد الأقصى، فقد اختلفت روايات العلماء من أهل التفسير والحديث والتاريخ في تعيين أول من وضع المسجد الأقصى ومن تتبع هذه الأقوال واستقراها يبدو له أنها لا تخرج عن ثلاثة آراء:
الأول: إن آدم عليه السلام هو الذي أسس الأقصى، ذكر ذلك العلامة ابن الجوزي ومال إلى ترجيح هذا الرأي الحافظ ابن حجر في الفتح واستدلّ له بما ذكره ابن هشام في كتاب “التيجان” أنّ آدم لما بني الكعبة أمره الله بالسير إلى بيت المقدس وأن يبنيه فبناه ونسك فيه. وبناء آدم عليه السلام الكعبة مشهور وفيه عدة آثار.
الثاني: أن الخليل إبراهيم عليه السلام هو الذي أسس المسجد، لأنّ بناءه للمسجد الحرام مشهور بنص القرآن: (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل) وقوله تعالى : (وإذ بوّأنا لإبراهيم مكان البيت)، وإذا ثبت بالنص أنه بني الكعبة، فإنّ بناءه لمسجد الأقصى محتمل راجح لقرب العهد بين المسجدين. وممن نصر هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، حيث قال: “والمسجد الأقصى صلت فيه الانبياء من عهد الخليل”، وفي موضع آخر قال: “فالمسجد الأقصى كان من عهد إبراهيم عليه السلام”، ولكن يرد على هذا القول إشكالان: أحدهما: أنّ بناء إبراهيم عليه السلام للكعبة لم يكن وضعاً وتأسيساً وإنما كان رفعاً وتجديداً والثاني أنّه لم ترد آثار في تأسيسه للمسجد الأقصى سوى ما عند أهل الكتاب: (أنّه لما قدم الشام أوحى الله إليه إني جاعل هذه الأرض لخلفك من بعدك فابتنى إبراهيم مذبحاً لله شكراً على هذه النعمة وضرب قبته شرقي بيت المقدس) ولكن هذا الذي بناه مذبح وليس بمسجد، ثم إن هذا كان أول قدومه الشام أي قبل مولد إسماعيل وبناء الكعبة بمدة وإنما بناء مسجد بيت المقدس كان بعد وضع الكعبة كما في حديث أبي ذر في الصحيحين.
القول الثالث:أن الذي بناه هو يعقوب عليه السلام ورجّح هذا القول العلامة إبن القيم رحمه الله حيث قال: “والذي أسسه هو يعقوب بن اسحق صلى الله عليهما وآلهما وسلم بعد بناء إبراهيم الكعبة بهذا المقدار – أي أربعين سنة-..” وهذا الذي ذكره ابن القيم موجود عند أهل الكتاب كما قال ابن كثير: “ثم مرّ -أي يعقوب- على أورشليم قرية شخيم فنزل في القرية واشترى مزرعة شخيم بن جحور بمائة نعجة فضرب هنالك فسطاطاً، وابتنى ثم مذبحاً فسماه بيت إيل إله إسرائيل وأمر الله بناء المستعلن له فيه وهو بيت المقدس اليوم الذي جدده بعد ذلك سليمان بن داود عليهما السلام”.
وأوجه الآراء الثلاثة وأدناها إلى الرجحان قول من قال: إنّ الذي أسسه هو آدم عليه السلام أو أحد أبنائه، وأنّ الذي وقع من البناء بعد ذلك إنما هو تجديد لا تأسيس، والآثار المروية تسند هذا القول وتجعله أقرب إلى الصواب والله أعلم, وأمّا حديث أبي ذر: “أي مسجد وضع في الأرض أوّل؟..” فليس فيه تعيين الواضع الأول المؤسس، ولا يصلح أن يكون تفسيراً لقوله تعالى : “وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت”، ولذلك فان البخاري رحمه الله أورد الحديث في موضعين من كتاب الأنبياء، الأول في فضائل الخليل إبراهيم عليه السلام، والثاني في فضائل سليمان عليه السلام، فيفهم من صنيعِهِ هذا أنه أراد فضل بناء المسجدين، لا تعيين أول من أسسهما. ولهذا قال القرطبي: “إن الحديث لا يدل على أن إبراهيم وسليمان لما بنيا المسجدين ابتدآ وضعهما لهما”.
نداء الأقصى إلى الأمتين العربية والإسلامية:
إننا نشهد في السنوات الأخيرة تصعيدًا في المخططات اليهودية الشيطانية، التي تستهدف الأقصى، وشاهدنا الجرافات التي تجرف باب المغاربة، باب النبي- صلى الله عليه وسلم-، وسمعنا عن شبكة الأنفاق اليهودية تحت جبل الأقصى، و”الكنيس” الديني الذي افتتحوه تحت أساسات الأقصى.. مما يعني أن الأقصى الآن في خطر مباشر. وأنــــه ينـــــادي الأمة قائلا:
ألســــت ثاني مسجـــــدٍ وضع في الأرض فأين أمة السجــــود والركـــــوع؟!
ألســــت مســــرى خــــاتم المرسلين ومنطلق معراجه إلى السمـــاء وأول بقعة استقبلته بعد معراجـــــــه إلى مــــولاه فأين أمـــــة محمدٍ ؟! أين حفظة سورتي النجم والإســـراء؟
الأقصـــى الشـــــريف ينـــــادي…
ألســــت المسجــــــد الذي أحيــــا الله فيه الأنبيـــاء والرســــل ليتقــــــدم الرســــول إمـــاماً في محـــــرابي، فأيـــن من يـــؤدي حق مســــجدٍ إمامه أحمد ومأموميه عيسى وموسى وإبراهيم ونوح وبقية الرسل الكرام – عليهم وعلى نببينا الصلاة والسلام – ؟!
أخي المسلـــــم أختـــي المسلمــــة هـــذا نــــداء الأقصـــى فمــــاذا قدمنــــا لنصـــرته وبأي جــــواب أجبــــناه؟! وماذا أعددنـــا للســـؤال بين يدي الله ؟!
مــاذا سنقول له ووقـــود آلات الحفــــر تحـــت الأقصــــى مــن وقـــود المسلميـــن؟!
مــــاذا سنقول ونحن من نحاصر حمـــاة الأقصـــى بالحديد والفولاذ؟!
فياليتنــــا إذ خذلنـــاه سكتنــــا ولكننا فــــوق ذلك أعنـــا عدوه وعدونا على هـــــدمه
فبمــــاذا سنجيب وبأي وجه نلقى الله؟!
يا عبــاد الله…
مـــــاذا سنقـــول ونحن نعلم أن ثلث أموال الضرائب الأمريكية تبذل لدعم إسرائيل، وأن الشركات الداعمة لهذا الكيان اللقيط هي من أنجح الشركات في أوطاننا…؟!
الأقصى ينادي علينا ونحن مشغولون بدعم عدوه فيا حســـرتاه علينا!
وكنا من قبــــل نقــــول اشتــــري منتجاً واقتل مسلماً …
واليـــوم نقــــول: ســــاهم يـا مسلـــم بمـــالك في هـــدم الأقصــى وبنـــاء الهيكل
إن نــــداء الأقصى مـــا زال يتــــردد ينتظـــر مـــن يجيـــب.
يا أمـــــة الإســــلام أنقـــــذوني قبـــــل أن تفقــــــــدوني.