مواقف من السيرة النبوية
1- مالك بن الحويرث:
عن مالك أتينا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ونحن شَبَبة متقاربون، فأقمنا عنده عشرين يومًا وليلة، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رحيمًا رفيقًا، فلما ظن أنَّا قد اشتَهينا أهلنا، أو قد اشتقنا، سألنا عمن تركنا بعدنا، فأخبرناه، فقال: (ارجعوا إلى أهليكم، فأقيموا فيهم، وعلِّموهم ومُروهم، وذكر أشياءَ أحفظها أو لا أحفظها، وصلُّوا كما رأيتموني أُصلي، فإذا حضرت الصلاة، فليُؤذن لكم أحدكم، وليَؤُمَّكم أكبرُكم)؛ (أخرجه البخاري).
2- أبو هريرة:
عن أبي هريرة قال: كنتُ أدعو أمي إلى الإسلام وهي مشركة، فدعوتها يومًا، فأسْمَعتني في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أكره، فأتيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا أبكي، قلت: يا رسول الله، إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام فتأبَّى عليّ، فدعوتها اليوم، فأسمعتني فيك ما أكره، فادعُ الله أن يهدي أمَّ أبي هريرة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (اللهمَّ اهْدِ أم أبي هريرة)، فخرجت مستبشرًا بدعوة نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فلما جئت، فصِرتُ إلى الباب، فإذا هو مُجافٌ، فسمِعت أمي خَشْف قدمي، فقالت: مكانك يا أبا هريرة، وسمعت خَضْخضة الماء، قال: فاغتسَلت ولبِست دِرعها، وعجِلت عن خمارها، ففتَحت الباب، ثم قالت: يا أبا هريرة، أشهد أنْ لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، قال: فرجعت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأتيتُه وأنا أبكي من الفرح، قال: قلت: يا رسول الله، أبشر؛ قد استجاب الله دعوتك وهدى أم أبي هريرة، فحمِد الله وأثنى عليه، وقال خيرًا، قال: قلت: يا رسول الله، ادعُ الله أن يُحببني أنا وأمي إلى عباده المؤمنين، ويُحببهم إلينا، قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (اللهمَّ حبِّب عبيدك هذا يعني أبا هريرة وأمَّه إلى عبادك المؤمنين، وحبِّب إليهم المؤمنين)، فما خُلِق مؤمنٌ يسمع بي ولا يراني، إلا أحبَّني؛ (أخرجه مسلم).
3- معاذ بن جبل ومعاذ بن عمرو بن الجموح:
كان عمرو بن الجموح - رضي الله عنه - سيدًا من سادات بني سَلِمة، وشريفًا من أشرافهم، وقد كان اتخذ في داره صنمًا من خشبٍ، يقال له: مَناة، كما كان الأشراف يصنعون، تتَّخذه إلهًا تَعظمه وتُطهره، فلما أسلَم فتيان بني سَلِمة: معاذ بن جبل، ومعاذ بن عمرو بن الجموح، في فتيان منهم ممن أسلَم وشهِد العقبة، كانوا يدلجون[1] باليل على صنم عمرو ذلك، فيحملونه فيطرحونه في بعض حفر بني سَلِمة، وفيها عذر الناس، منكسًا على رأسه، فإذا أصبح عمرو قال: ويْلكم! من عدا على آلهتنا هذه الليلة؟ ثم يغدوا يلتمسه، حتى إذا وجده غسله وطهَّره وطيَّبه، ثم قال: أما والله، لو أعلم من فعل هذا بك، لأُخزينَّه، فإذا أمسى ونام عمرو، عدوا عليه، ففعلوا به مثل ذلك، فيغدوا فيجده في مثل ما كان من الأذى، فيَغسله، ويُطهره، ويُطيِّبه، ثم يعدون عليه إذا أمسى، فيفعلون به مثل ذلك، فلما أكثروا عليه، استخرجه من حيث ألقوه يومًا، فغسله وطهَّره وطيَّبه، ثم جاء بسيفه فعلَّقه عليه، ثم قال: إني والله ما أعلم من يصنع بك ما ترى، فإن كان فيك خير، فامتنِع، فهذا السيف معك، فلما أمسى ونام عمرو، عدوا عليه، فأخذوا السيف من عنقه، ثم أخذوا كلبًا ميتًا، فقرنوه به بحبلٍ، ثم ألقوه من بئرٍ من آبار بني سَلِمة، فيها عذر من عذر الناس، ثم غدا عمرو بن الجموح، فلم يجده في مكانه الذي كان به، فخرج يَتبعه حتى وجده في تلك البئر مُنكَّسًا مقرونًا بكلب ميِّت، فلما رآه وأبصر شأنه، وكلَّمه مَن أسلَم من رجال قومه، فأسلم برحمة اللّه وحَسُن إسلامُه، فقال حين أسلم، وعرَف من اللّه ما عرَف، وهو يذكر صنَمه ذلك، وما أبصر من أمره ويشكر الله تعالى الذي أنقذه مما كان فيه من العمي والضلالة:
والله لو كنتَ إلهًا لَم تكن
أنتَ وكلبٌ وسط بئرٍ في قَرَنْ
أُفٍّ لِمَلقاك إلهاً مُسْتَدنْ[2]
الآن فتَشناك عن سوءِ الغَبَنْ
الحمدُ لله العَلي ذي المِنَنْ
الْوَاهِبِ الرَّزَّاقِ دَيَّانِ الدِّيَنْ
هو الذي أنقَذني من قبلِ أنْ
أكونَ في ظُلمة قبرٍ مُرْتَهَنْ[3]
4- أسامة بن زيد:
عن أسامة بن زيد بن حارثة - رضي الله عنهما - يحدِّث، قال: بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الحُرَقة من جُهينة، قال: فصبَّحنا القوم فهزمناهم، قال: ولحِقت أنا ورجل من الأنصار رجلاً منهم، قال: فلمَّا غَشِيناه، قال: لا إله إلا الله، قال: فكفَّ عنه الأنصاري، فطعَنته برمحي حتى قتَلته، قال: فلمَّا قدِمنا، بلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: فقال لي: يا أسامة، أقتلته بعدما قال: لا إله إلا الله، قال: قلت: يا رسول الله، إنما كان متعوِّذًا، قال: أقتَلته بعدما قال: لا إله إلا الله، قال: فما زال يكرِّرها عليّ، حتى تمنَّيت أني لم أكن أسلَمت قبل ذلك اليوم؛ (أخرجه مسلم).
5- معاذ بن جبل:
عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال: بينا أنا رديف النبي - صلى الله عليه وسلم - ليس بيني وبينه إلا آخِرَة الرَّحْل، فقال: يا معاذ بن جبل، قلت: لبَّيك رسول الله وسَعديك، ثم سار ساعة، ثم قال: يا معاذ، قلتُ: لبَّيك رسول الله وسَعديك، ثم سار ساعة، ثم قال: يا معاذ، قلت: لبَّيك رسول الله وسَعديك، قال: هل تدري ما حقُّ الله على عباده، قلتُ: الله ورسوله أعلم، قال: حقُّ الله على عباده أن يعبدوه ولا يُشركوا به شيئًا، ثم سار ساعة، ثم قال: يا معاذ بن جبل، قلت: لبَّيك رسول الله وسَعديك، فقال: هل تدري ما حقُّ العباد على الله إذا فعلوه، قلتُ: الله ورسوله أعلم، قال: حق العباد على الله ألا يُعذبهم)؛ (أخرجه البخاري).
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
[1] الدُّلْجَةُ: سير الليل كله، وأَدْلَجُوا: ساروا من آخر الليل، وادَّلَجُوا ساروا الليل كله؛ (ابن منظور، لسان العرب، 2/272، مادة [دلج]).
[2] قال السهيلي: مستدن من السدانة، وهي خدمة البيت وتعظيمه؛ (انظر: الروض الأُنف. الطبعة الأولى، القاهرة، دار النصر، 1228هـ، 4/154).
[3] انظر: ابن هشام؛ السيرة النبوية 1/452، 453، وابن حجر؛ الإصابة 2/529، والذهبي؛ سِيَر أعلام النبلاء، 1/253، 254.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ