هجرة الرسول من مكة إلى المدينة
الهجرة النبوية تعدّ الهجرة النبوية من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة أهمّ حدث في الحركة الدّعوية في تاريخ المسلمين؛ حيث كانت أساساً ومنطلقاً لقيام الدّولة الإسلامية، تمكّنت من خلاله من توسيع دائرة الدّعوة على اعتبار أنّ رسالة النبي -صلى الله عليه وسلم- رسالةً عالمية.[١] أسباب الهجرة النبوية الأسباب التي دعت المسلمين إلى الهجرة من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة يمكن تلخيصها فيما يأتي:[٢]
اشتد أذى المشركين على المسلمين، وخاصة ضعافهم، كآل ياسر، وبلال بن رباح، بل إنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يسلم من أذيتهم، حتى جاء أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- في إحدى المرات يدافع عن النبي حتى انهال عليه نفراً من مشركي قريش ضرباً فأغمي عليه، وهو يقول: (أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ).[٣] حصار قريش للمسلمين حاصر مشركو قريش المسلمين، وبالأخص بني هاشم في شعب أبي طالب، ووضعوا بنود المقاطعة على وثيقة، وعلقوها على ستار الكعبة المشرفة، فكان مجمل بنودها مقاطعة المسلمين ماديّا ومعنويًّا، ودامت ثلاث سنوات. تآمر المشركين على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسلم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من مشركي قريش، فقد عقدوا اجتماعاً لهم ليكيدوا للخلاص من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فاختلفت الآراء ما بين نفي وحبس، واستقروا على أن يتم اختيار عشرة رجال من كل قبيلة؛ ليشتركوا في قتل رسول الله، فيتفرق دمه بين القبائل، فلا تستطيع بني هاشم مواجهة جميع القبائل. أحداث الهجرة النبوية لم تكن هجرة رسول الله إلى المدينة سهلة هيّنة، فقد حدث عدّة أحداث كانت كالعراقيل في مسيرة رسول الله -صلى الله عليه وسلّم-، ومن هذه الأحداث ما يأتي: أمر رسول الله بالهجرة إلى المدينة المنورة: بعدما بايع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أهل يثرب على الإسلام، أمر رسول الله أصحابه بالهجرة إلى المدينة المنورة، واللحوق بإخوانهم من الأنصار، وأقام رسول الله في مكة المكرمة؛ ينتظر الإذن من الله بالهجرة إلى المدينة المنورة.[٤] هجرة الرسول مع أبي بكر: عندما أذن لرسول الله بالهجرة إلى المدينة المنورة، ذهب -صلى الله عليه وسلّم- لأبي بكر ليخبره بذلك، ليتجهزا للرحيل، وقدّم أبوبكر راحلتين، كان قد أعدّهما لهذا السفر، واستأجر عبد الله بن أريقط، ليدلّهما على الطريق.[٥] الذهاب إلى غار ثور: خرج رسول الله وأبو بكر من مكة المكرمة في الخفاء، وأمر أبو بكر ابنه عبدالله بأن يتسمع أخبار أهل مكة، وأمر عامر بن فهيرة أن يرعى غنمه نهاراً، ويريحها عليهما ليلاً، وكانت أسماء تأتيهما بالطعام، وعند وصولهما إلى الغار، دخل أبو بكر الغار قبل رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- وذلك ليتأكد أمان الغار لرسول الله.[٦] دخول العنكبوت إلى الغار: ما إن دخلا إلى الغار حتى أرسل الله تعالى عنكبوتًا، نسجت خيوطها على باب الغار، فسترت رسول الله وأبا بكر عن أعين الناس، وبالأخص قريش.[٦] مجيء أبي قحافة وأبو جهل إلى بيت أبي بكر الصديق: جاء والد الصديق إلى بيته حينما علم بخروج ابنه مع رسول الله، سائلاً إياه عمّا تركه لهم، وكان قد كُفّ بصره، فوضعت حجارة في كيس، فوضعت الكيس في الكرة، فلما مسكها بيده، قال إنّ ما تركه خير كثير.[٧] لحوق سراقة بن مالك برسول الله وأبي بكر الصديق: كانت قريش قد أعدّت مكافئة لمن يأتي برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وما إن علم سراقة بهذه المكافأة التي وضعتها قريش، فجهز فرسه وانطلق نحو رسول الله، وكان كلما أراد الاقتراب من رسول الله غرزت قدما فرسه في التراب، حتى ناداه رسول الله، وأعطاه الأمان على أن يدعو الله أن يكشف عنه ما أصابه، وكتب له رسول الله كتاب أمان، على أن يكف سراقة عنهما الطلب، ويقول لقريش بألّا يبحثوا في الجهة التي هاجر منها رسول الله لأنّه قد بحث فيها جيدًا.[٨] الوصول إلى المدينة المنورة: بمجرد معرفة الأنصار بخبر خروج رسول الله من مكة المكرمة، خرجوا لاستقباله، فإذ هو في ظلّ النخلة مع صاحبه الصدّيق، واستقبلهما ما يقارب خمسمائة من الأنصار، وأقام حينها بقباء أربعة أيّام بنى فيها أول مسجد في الإسلام، وهو مسجد قباء.[٩] نتائج الهجرة النبوية لقد كان للهجرة النبوة نتائج أثمرت كل خير على المجتمع الإسلامي، وعلى انتشار الإسلام، ومن هذه النتائج ما يأتي:[١٠] التكافل الاجتماعي كان مجتمع المدينة طوائف مختلفة، فبدأ بالمهاجرين والأنصار وآخى بينهم، ونظم العلاقات بين المسلمين واليهود، فكتب كتابًا قرر فيه الحقوق والواجبات لكل شعب المدينة. بناء الاقتصاد الإسلامي وجد رسول الله بأن اليهود قد سيطروا على الاقتصاد في المدينة، معتمدين على الاحتكار في تجارتهم واستغلال حاجة الناس، فقرر رسول الله تصويب الوضع وإقامة سوق إسلامية. تكوين قوة عسكريّة اهتمّ رسول الله ببناء جيش إسلامي، وذلك لمحاربة أعداء الدين الإسلامي. بناء المسجد النبوي كان للمسجد النبوي أهميته في الإسلام، فقد كان بمثابة منبر إعلام وإشعاع فكري بالنسبة للمسلمين، وكان مقرًّا للشورى. شخوصٌ بارزة في الهجرة النبوية علي بن أبي طالب: مكث -رضي الله عنه- في فراش النبيّ بأمرٍ منه، فلبس ثياباً للنبيّ، ونام مكانه؛ ليخدع رجال قريش الذين تآمروا على قتل النبي، ويردّ الأمانات التي كانت عند النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- لأصحابها.[١١] عبد الله بن أريقط: أستأجره أبو بكر ليدّلهما على الطريق.[٥] عبدالله بن أبي بكر: كان يأتي بأخبار مكة.[١٢] أسماء بنت أبي بكر: كانت تأتي بالطعام إلى رسول الله وأبي بكر.[١٢] عامر بن فهيرة: أمره أبو بكر لصديق بأن يرعى غنمه.[١٢] سراقة بن مالك: فقد خرج من مكة، متقفيًا أثر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وعندما وجده وطلب منه كتاب الأمان، عاد إلى مكة، ولم يخبر قريشاً بمكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.[١٣] موقف النّبي من الهجرة إلى المدينة اضطر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الخروج من مكة المكرمة، ليكمل دعوته إلى رسالة الإسلام، فلم تدعه قريش من القيام بمهمته، فحينما خرج منها، وتذكر كتب السّير أنّه -عليه الصلاة والسلام- التفت لمكة قائلاً بأنها أحب البلاد إلى الله وإليه عليه الصلاة والسلام، ولولا قريش لما خرج منها.[١٤] يتبين مما سبق دور الهجرة النبوية في إنشاء الدولة الإسلامية، وإنجاز العديد من الفتوحات الإسلامية، والأعداد الهائلة الّتي دخلت الدين الإسلامي، تأكيداً على أنّ الصبر على المحن مؤذنٌ بظهور المنح، فقد خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من مكة المكرمة كارهًا، وعاد إليها فاتحاً، ودخل النّاس في دين الله أفواجاً.